علم الاشتقاق .
وهو علم باحث عن : كيفية خروج الكلم بعضها عن بعض بسبب مناسبة بين المخرج والخارج بالأصالة والفرعية باعتبار جوهرها والقيد الأخير يخرج الصرف إذ يبحث فيه أيضا عن الأصالة الفرعية بين الكلم لكن لا بحسب الجوهرية بل بحسب الهيئة .
مثلا : يبحث في الاشتقاق عن مناسبة نهق ونعق بحسب المادة وفي الصرف عن مناسبته بحسب الهيئة فامتاز أحدهما عن الآخر واندفع توهم الاتحاد .
وموضوعه : المفردات من الحيثية المذكورة .
ومباديه : كثيرة منها : .
قواعد مخارج الحروف .
ومسائله : القواعد التي يعرف منها أن الأصالة والفرعية بين المفردات بأي طريق يكون وبأي وجه يعلم .
ودلائله : مستنبطة من قواعد علم المخارج وتتبع مفردات ألفاظ العرب واستعمالاتها .
والغرض منه : تحصيل ملكة يعرف بها الانتساب على وجه الصواب .
وغايته : الاحتراز عن الخلل في الانتساب .
واعلم : أن مدلول الجواهر بخصوصها يعرف من اللغة .
وانتساب البعض إلى البعض على وجه كلي إن كان في الجوهر : فالاشتقاق .
وإن كان في الهيئة : فالصرف .
فظهر الفرق بين العلوم الثلاثة .
وإن الاشتقاق واسطة بينهما ولهذا استحسنوا تقديمه على الصرف وتأخيره عن اللغة في التعليم .
ثم إنه كثيرا ما يذكر في كتب التصريف وقلما يدون مفردا عنه إما لقلة قواعده أو لاشتراكهما في المبادي حتى إن هذا من جملة البواعث على اتحادهما .
والاتحاد في التدوين لا يستلزم الاتحاد في نفس الأمر .
قال صاحب ( الفوائد الخاقانية ) : اعلم : أن الاشتقاق يؤخذ تارة باعتبار العلم وتارة باعتبار العمل وتحقيقه : أن الضارب مثلا يوافق الضرب في الحروف الأصول والمعنى بناء على أن الواضع عين بإزاء المعنى حروفا وفرع منها ألفاظا كثيرة بإزاء المعاني المتفرعة على ما يقتضيه رعاية التناسب .
فالاشتقاق : هو هذا التفريع والأخذ فتحديده بحسب العلم بهذا التفريع الصادر عن الوضع هو أن نجد بين اللفظين تناسبا في المعنى والتركيب فتعرف رد أحدهما إلى الآخر وأخذه منه .
وإن اعتبرناه من حيث احتياج أحد إلى عمله عرفناه باعتبار العمل فنقول : هو أن تأخذ من أصل فرعا توافقه في الحروف الأصول وتجعله دالا على معنى يوافق معناه . انتهى .
والحق : أن اعتبار العمل زائد غير محتاج إليه وإنما المطلوب العلم باشتقاق الموضوعات إذ الوضع قد حصل وانقضى على أن المشتقات مرويات عن أهل اللسان ولعل ذلك الاعتبار لتوجه التعريف المنقول عن بعض المحققين ثم إن المعتبر فيهما الموافقة في الحروف الأصلية ولو تقديرا إذ الحروف الزائدة في الاستفعال والافتعال لا تمنع .
وفي المعنى أيضا : إما بزيادة أو نقصان فلو اتحدا في الأصول وترتيبها كضرب من الضرب فالاشتقاق صغير .
ولو توافقا في الحروف دون الترتيب كجبذ من الجذب فهو كبير .
ولو توافقا في أكثر الحروف مع التناسب في الباقي كنعق من النهق فهو أكبر .
وقال الإمام الرازي : الاشتقاق : أصغر وأكبر .
فالأصغر : كاشتقاق صيغ الماضي والمضارع واسم الفاعل والمفعول وغير ذلك من المصدر .
والأكبر : هو تقلب اللفظ المركب من الحروف إلى انقلاباته المحتملة .
مثلا : اللفظ المركب من ثلاثة أحرف يقبل ستة انقلابات لأنه يمكن جعل كل واحد من الحروف الثلاثة أول هذا اللفظ .
وعلى كل من هذه الاحتمالات الثلاثة يمكن وقوع الحرفين الباقيين على وجهين .
مثلا : اللفظ المركب من ك ل م يقبل ستة انقلابات : كلم كمل ملك لكم لمك مكل .
واللفظ المركب من أربعة أحرف : يقبل أربعة وعشرون انقلابا وذلك لأنه يمكن جعل كل واحد من الأربعة ابتداء تلك الكلمة .
وعلى كل من هذه التقديرات الأربعة : يمكن وقوع الأحرف الثلاثة الباقية على ستة أوجه كما مر .
والحاصل من ضرب الستة في الأربعة : أربعة وعشرون وعلى هذا القياس المركب من الحروف الخمسة .
والمراد من الاشتقاق الواقع في قولهم : هذا اللفظ مشتق من ذلك اللفظ هو : الاشتقاق الأصغر غالبا .
والتفصيل في مباحث الاشتقاق من الكتب القديمة في الأصول