فتح : .
ومنها : أن لا يدع فنا من فنون العلم إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على غايته ومقصده وطريقته وبعد المطالعة في الجميع أو الأكثر إجمالا إن مال طبعه إلى فن عليه أن يقصده ولا يتكلف غيره فليس كل الناس يصلحون للتعلم ولا كل من يصلح لتعلم علم يصلح لسائر العلوم بل كل ميسر لما خلق له وإن كان ميله إلى الفنون على السواء مع موافقة الأسباب ومساعدة الأيام طلب التبحر فيها فإن العلوم كلها متعاونة مرتبطة بعضها ببعض لكن عليه أن لا يرغب بالآخر قبل أن يستحكم الأول لئلا يصير مذبذبا فيحرم من الكل .
ولا يكن ممن يميل إلى البعض ويعادي الباقي لأن ذلك جهل عظيم وإياه أن يستهين بشيء من العلوم تقليدا لما سمعه من الجهلة بل يجب أن يأخذ من كل حظا ويشكر من هداه إلى فهمه .
ولا يكن ممن يذم العلم ويعدوه لجهله مثل ذمهم : المنطق الذي هو : أصل كل علم وتقويم كل ذهن ومثل ذمهم : العلوم الحكمية على الإطلاق من غير معرفة القدر المذموم والممدوح منها ومثل ذم : علم النجوم مع أن بعضا منه : فرض كفاية والبعض : مباح ومثل ذم : مقالات الصوفية لاشتباهها عندهم والعلم إن كان مذموما في نفسه - كما زعموا - فلا يخلوا تحصيله عن فائدة أقلها رد القائلين بها .
تنبيه : اعلم : أن النظر والمطالعة في علوم الفلسفة يحل بشرطين .
أحدهما : أن لا يكون خالي الذهن عن العقائد الإسلامية بل يكون قويا في دينه راسخا على الشريعة الشريفة .
والثاني : أن لا يتجاوز مسائلهم المخلفة للشريعة وإن تجاوز فإنما يطالعها للرد لا غير هذا لمن ساعده الذهن والسن والوقت وسامحه الدهر عما يفضيه إلى الحرمان وإلا فعليه : أن يقتصر على الأهم وهو قدر ما يحتاج إليه فيما يتقرب له إلى الله - تعالى - وما لا بد منه في المبدأ والمعاد والمعاملات والعبادات والأخلاق والعادات