التعليم الأول : في لذته .
اعلم أن شرف الشيء إما لذاته أو لغيره .
والعلم حائز للشرفين جميعا لأنه لذيذ في نفسه فيطلب لذاته ولذيذ لغيره فيطلب لأجله .
أما الأول : فلا يخفى على أهله أنه لا لذة فوقها لأنها لذة روحانية وهي اللذة المحضة وأما اللذة الجسمانية فهي دفع الألم في الحقيقة كما إن لذة الأكل دفع ألم الجوع ولذة الجماع دفع ألم الامتلاء بخلاف اللذة الروحانية فإنها ألذ وأشهى من اللذائذ الجسمانية .
ولهذا كان الإمام الثاني : محمد بن الحسن الشيباني يقول عندما انحلت له مشكلات العلوم : أين أبناء الملوك من هذه اللذة ؟ .
سيما إذا كانت الفكرة في حقائق الملكوت وأسرار اللاهوت .
ومن لذته التابعة لعزته : أنه لا يقبل العزل والنصب ومع دوامه لا مزاحمة فيه لأحد لأن المعلومات متسعة مزيدة بكثرة الشركاء ومع هذا لا ترى أحدا من الولاة الجهال إلا يتمنى أن يكون عزه كعز أهل العلم ألا أن الموانع البهيمية تمنع عن نيله .
وأما اللذائذ الحاصلة لغيره إما في الأخرى فلكونه وسيلة إلى أعظم اللذائذ الأخروية والسعادة الأبدية وإما في الدنيا فالعز والوقار ونفوذ الحكم على الملوك ولزوم الاحترام في الطباع فإنك ترى أغبياء الترك وأجلاف العرب يصادفون طباعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم لاختصاصهم بمزيد علم مستفاد من التجربة بل البهيمة تجدها توقر الإنسان بطبعها لشعورها بتميز الإنسان بكمال مجاوز لدرجتها حتى إنها تنزجر بزجره وإن كانت قوتها أضعاف قوة الإنسان