ومن عرف الفنون وأهلها معرفة صحيحة لم يبق عنده شك أن اشتغال أهل الحديث بفنهم لا يساويه اشتغال سائر أهل الفنون بفنونهم ولا يقاربه بل ( 1 / 363 ) لا يعد بالنسبة إليه كثير شيء وإن إنصاف الرجل لا يتم حتى يأخذ كل فن عن أهله كائنا ما كان وأما إذا أخذ العلم من غير أهله ورجح ما يجده من الكلام لأهل العلم في فنون ليسوا من أهلها وأعرض عن كلام أهلها فإنه يخبط ويخلط ويأتي من الأقوال والترجيحات بما هو في أبعد درجات الإتقان وهو حقيق بذلك .
وفي علماء المذاهب الأربعة : من هو أوسع علما وأعلى قدرا من إمامه الذي ينتمي إليه ويقف عند رأيه ويقتدي بما قاله في عبادته ومعاملته وفي فتاواه وقضائه ويسري ذلك إلى مصنفاته فيرجح فيها ما يرجحه إمامه وإن كان دليله ضعيفا أو موضوعا أو لا دليل بيده أصلا بل مجرد محض الرأي ويدفع من الأدلة المخالفة له ما هو أوضح من شمس النهار تارة : بالتأويل المتعسف وحينا : بالزور الملفف وبالجملة فما صنع هذا لنفسه بذلك التصنيف إلا ما هو خزي له في الدنيا والآخرة ووبال عليه في الآجلة والعاجلة