قالوا : فإن استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه إلى وقت آخر ولا يكره نفسه عليه وليكن بناء البيت على القافية من أول صوغه ونسجه بعضها ويبني الكلام عليها إلى آخره لأنه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب عليه وضعها في محلها فربما تجيء نافرة قلقة وإذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه إلى موضعه الأليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق إلا المناسبة فليتخير فيها كما يشاء وليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولا يضن به على الترك إذا لم يبلغ الإجادة فإن الإنسان مفتون بشعره إذ هو بنات فكره واختراع قريحته ولا يستعمل فيه من الكلام إلا الأفصح من التراكيب والخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة وقد حظر أئمة اللسان عن المولد وارتكاب الضرورة إذ هو في سعة ( 1 / 299 ) منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من الملكة ويجتنب أيضا المعقد من التراكيب جهده وإنما يقصد منها ما كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم وكذلك كثرة المعاني في البيت الواحد فإن فيه نوع تعقيد على الفهم وإنما المختار منه ما كانت ألفاظه طبقا على معانيه أو أوفى فإن كانت المعاني كثيرة كان حشوا واستعمل الذهن بالغوص عليها فمنع الذوق عن استيفاء مدركه من البلاغة