واعتبر ذلك بحال أهل المشرق لعهد الدولة الأموية والعباسية فكان شأنهم شأن أهل الأندلس في تمام هذه الملكة وإجادتها لبعدهم لذلك العهد عن الأعاجم ومخالطتهم إلا في القليل فكان أمر هذه الملكة في ذلك العهد أقوم وكان فحول الشعراء والكتاب أوفر لتوفر العرب وأبنائهم بالمشرق .
وانظر ما اشتمل عليه كتاب ( الأغاني ) من نظمهم ونثرهم فإن ذلك الكتاب هو كتاب العرب وديوانهم ( 1 / 285 ) وفيه : لغتهم وأخبارهم وأيامهم وملتهم العربية وسيرتهم وآثار خلفائهم وملوكهم وأشعارهم وغناؤهم وسائر مغانيهم له فلا كتاب أوعب منه لأحوال العرب .
وبقي أمر هذه الملكة مستحكما في المشرق في الدولتين وربما كانت فيهم أبلغ ممن سواهم ممن كان في الجاهلية - كما هو المعلوم - حتى تلاشى أمر العرب ودرست لغتهم وفسد كلامهم وانقضى أمرهم ودولتهم وصار الأمر للأعاجم والملك في أيديهم والتغلب لهم وذلك في دولة الديلم والسلجوقية وخالطوا أهل الأمصار والحواضر حتى بعدوا عن اللسان العربي وملكته وصار متعلمها منهم مقصرا عن تحصيلها وعلى ذلك تجد لسانهم لهذا العهد في فني المنظوم والمنثور وإن كانوا مكثرين منه - ( والله يخلق ما يشاء ويختار ) والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق لا رب سواه ) . ( 1 / 286 )