وذلك أنا نجدها في بيان المقاصد والوفاء بالدلالة على سنن اللسان المضري ولم يفقد منها إلا دلالة الحركات على تعين الفاعل من المفعول فاعتاضوا منها بالتقديم والتأخير وبقرائن تدل على خصوصيات المقاصد إلا أن البيان والبلاغة في اللسان المضري أكثر وأعرف لأن الألفاظ بأعيانها دالة على المعاني بأعيانها ويبقى ما تقتضيه الأحوال ويسمى : بساط الحال محتاجا إلى ما يدل عليه .
وكل معنى لا بد وأن تكتنفه أحوال تخصه فيجب أن تعتبر تلك الأحوال في تأدية المقصود لأنها صفاته وتلك الأحوال في جميع الألسن أكثر ما يدل عليها بألفاظ تخصها بالوضع وأما في اللسان العربي فإنما يدل عليها بأحوال وكيفيات في تراكيب الألفاظ وتأليفها من تقديم أو تأخير أو حذف أو حركة إعراب وقد يدل عليها بالحروف غير المستقلة ولذلك تفاوتت طبقات الكلام في اللسان العربي بحسب تفاوت الدلالة على تلك الكيفيات فكان الكلام العربي لذلك أوجز وأقل ألفاظا وعبارة من جميع الألسن .
وهذا معنى قوله - A - : ( أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا ) .
واعتبر ذلك بما يحكى عن عيسى بن عمر وقد ( 1 / 268 ) قال له بعض النحاة : إني أجد في كلام العرب تكرارا في قولهم : زيد قائم وإن زيدا قائم وإن زيدا لقائم والمعنى واحد فقال له : إن معانيها مختلفة فالأول : لإفادة الخالي الذهن من قيام زيد والثاني : لمن سمعه فتردد فيه والثالث : لمن عرف بالإصرار على إنكاره فاختلفت الدلالة باختلاف الأحوال