اعلم أن السالكين اختلفوا في تفضيل الطريقين .
قال أرباب النظر : الأفضل : طريق النظر لأن طريق التصفية صعب والواصل قليل على أنه قد يفسد المزاج ويختلط العقل في أثناء المجاهدة .
وقال أهل التصفية : العلوم الحاصلة بالنظر لا تصفو عن شوب الوهم ومخالطة الخيال غالبا ولهذا كثيرا ما يقيسون الغائب على الشاهد فيضلون وأيضا لا يتخلصون في المناظرة عن اتباع الهوى بخلاف التصوف فإنه تصفية للروح وتطهير للقلب عن الوهم والخيال فلا يبقي إلا الانتظار للفيض من العلوم الإلهية .
وأما صعوبة المسلك وبعده فلا يقدح في صحة العلم مع أنه يسير على من يسره الله - سبحانه وتعالى - عليه وأما اختلال المزاج فإن وقع فيقبل العلاج ومثلوا بطائفتين تنازعتا في المباهاة والافتخار بصنعة النقش والتصوير حتى أدى الافتخار إلى الاختبار فعين لكل منهما جدار بينهما حجاب فتكلف أحدهما في صنعته واشتغل الآخر بالتصقيل فلما ارتفع الحجاب ظهر تلألؤ الجدار مع جميع نقوش المقابل وقالوا : هذه أمثال العلوم النظرية والكشفية فالأول : يحصل من طريق الحواس بالكد والعناء والثاني : يحصل من اللوح المحفوظ والملأ الأعلى . ( 1 / 256 ) .
واعترض عليهم : بأنا لا نسلم مطلق الحصول لأن كل علم مسائله كثيرة وحصولها عبارة عن الملكة الراسخة فيه وهي لا تتم إلا بالتعلم والتدرب ؟ - كما سبق - .
ولعل المكاشف لا يدعي حصول العلوم النظرية بطريق الكشف لأنه لا يصدق إلا أن يقول بحصول الغاية والغرض منها