ومنها : العلوم الآلية لا يوسع فيها الأنظار وذلك أن العلوم المتداولة على صنفين : علوم مقصودة بالذات كالشرعيات والحكميات وعلوم هي آلة ووسيلة لهذه العلوم كالعربية والمنطق فأما المقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها وتفريع المسائل واستكشاف الأدلة فإن ذلك يزيد طالبها تمكنا في ملكته وأما العلوم الآلية فلا ينبغي أن ينظر فيها إلا من حيث هي آلة للغير ولا يوسع فيها الكلام لأن ذلك يخرج بها عن المقصود وصار الاشتغال بها لغوا مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرة فروعها وربما يكون ذلك عائقا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات لطول وسائلها فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعا للعمر وشغلا بما لا يغني .
وهذا كما فعله المتأخرون في النحو والمنطق وأصول الفقه لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيها نقلا واستدلالا وأكثروا من التفاريع والمسائل بما أخرجها عن كونها آلة وصيرها مقصودة بذاتها فيكون لأجل ذلك لغوا ومضرا بالمتعلمين لاهتمامهم بالمقصود أكثر من هذه الآلات فإذا أفنى العمر فيها فمتى يظفر بالمقاصد ؟ فيجب عليه أن لا يستبحر فيها ولا يستكثر من مسائلها