قف : ومن الناس من ينكر التصنيف في هذا الزمان مطلقا ولا وجه لإنكاره من أهله وإنما يحمله عليه التنافس والحسد الجاري بين أهل الأعصار ولله در القائل في نظمه : .
قل لمن لا يرى المعاصر شيئا ... ويرى للأوائل التقديما .
إن ذاك القديم كان حديثا ... وسيبقى هذا الحديث قديما .
واعلم أن نتائج الأفكار لا تقف عند حد وتصرفات ( 1 / 195 ) الأنظار لا تنتهي إلى غاية بل لكل عالم ومتعلم منها حظ يحرزه في وقته المقدر له وليس لأحد أن يزاحمه فيه لأن العالم المعنوي واسع كالبحر الزاخر والفيض الإلهي ليس له انقطاع ولا آخر والعلوم منح إلهية ومواهب صمدانية فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما لم يدخر لكثير من المتقدمين .
فلا تغتر بقول القائل : ( ( ما ترك الأول للآخر ) ) بل القول الصحيح الظاهر : ( ( كم ترك الأول للآخر ) ) فإنما يستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءته في ذاته لا لقدمه وحدوثه .
ويقال : ليس كلمة أضر بالعلم من قولهم ما ترك الأول شيئا لأنه يقطع الآمال عن العلم ويحمل على التقاعد عن التعلم فيقتصر الآخر على ما قدم الأول من الظاهر وهو خطر عظيم وقول سقيم فالأوائل وإن فازوا باستخراج الأصول وتمهيدها فالأواخر فازوا بتفريع الأصول وتشييدها كما قال A : ( ( أمتي أمة مباركة لا يدري أو لها خيرا وآخرها ) ) وقال ابن عبد ربه في ( العقد ) ( ( إني رأيت آخر كل طبقة واضعي كل حكمة ومؤلفي كل أدب أهذب لفظا وأسهل لغة وأحكم مذاهب وأوضح طريقة من الأول لأنه ناقض متعقب والأول باد متقدم ) ) انتهى