وذلك أن الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء وغير ذلك من اللوازم وإنما يمتاز عنها بالفكر وإدراكه الكليات التي يهتدي بها لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيئ لذلك التعاون وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل واتباع صلاح أخراه فهو مفكر في ذلك كله دائما لا يفتر عن الفكر فيه طرفة عين بل اختلاج الفكر أسرع من لمح البصر .
وعن هذا الفكر تنشأ العلوم والصنائع ثم لأجل هذا الفكر وما جبل عليه الإنسان بل الحيوان من تحصيل ما تستدعيه الطباع فيكون الفكر راغبا في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات فيرجع إلى من سبقه بعلم أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك أو أخذه ممن تقدمه من الأنبياء الذين يبلغونه ( 1 / 155 ) لمن تلقاه فيلقن ذلك عنهم ويحرص على أخذه وعلمه ويرجع إلى ما استفاد عنه إما من الأفواه أو من الدوال عليه