ولا يخفى أن يقدم الأهم فالأهم فيه والوسيلة مقدمة على المقصد كما أن المباحث اللفظية مقدمة على المباحث المعنوية لأن الألفاظ وسيلة إلى المعاني . ويقدم الأدب على المنطق ثم هما على أصول الفقه . ثم هو على الخلاف والتحقيق أن تقديم العلم على العلم لثلاثة أمور : .
إما لكونه أهم منه كتقديم فرض العين على فرض الكفاية وهو على المندوب إليه وهو على المباح .
وإما لكونه وسيلة إليه كما سبق فيقدم النحو على المنطق .
وإما لكون موضوعه جزءا من موضوع العلم الآخر والجزء مقدم على الكل فيقدم الصرف على النحو .
وربما يقدم علم على علم لا لشيء منها بل لفرض التمرين على إدراك المعقولات كما أن طائفة من القدماء قدموا تعليم علم الحساب . وكثيرا ما يقدم الأهون فالأهون ولذا قدم المصنفون في كتبهم النحو على الصرف ولعلهم راعوا في ذلك أن الحاجة إلى النحو أمس .
ثم إنه تختلف فروض الكفاية في التأكد وعدمه بحسب خلو الأعصاب ( 1 / 109 ) والأمصار من العلماء فرب مصر لا يوجد فيه من يقسم الفريضة إلا واحد أو اثنان ويوجد فيه عشرون فقيها فيكون تعلم الحساب فيه آكد من أصول الفقه .
واعلم أن الواجب علمه هو فرض عين وهو كل ما أوجبه الشرع على الشخص في خاصة نفسه وما أوجبه على المجموع ليعملوا به لو قام به واحد لسقط عن الباقين ويسمى فرض كفاية .
والعلوم التي هي فروض كفاية على المشهور كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمر الدنيا وقانون الشرع كفهم الكتاب والسنة وحفظهما من التحريفات ومعرفة الاعتقاد بإقامة البرهان عليه .
وإزالة الشبهة ومعرفة الأوقات والفرائض والأحكام الفرعية وحفظ الأبدان والأخلاق والسياسة وكل ما يتوصل به إلى شيء من هذه كعلم اللغة والتصريف والنحو والمعاني والبيان . وكالمنطق وتسيير الكواكب ومعرفة الأنساب والحساب إلى غير ذلك من العوم التي هي وسائل إلى هذه المقاصد . وتفاوت درجاتها في التأكيد بحسب الحاجة إليها .
في هذا الباب كتاب ( أدب الطلب ) لشيخنا العلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني - C - أبان فيه طريق العلم والتدرج فيه وهو كتاب لم يؤلف قبله مثله وإنه نفيس جدا ( 1 / 110 )