ومعلوم أن من كان يبصر بالله سبحانه ويسمع به ويبطش به ويمشي به له حال يخالف حال من لم يكن كذلك لأنها تنكشف له الأمور كما هي وهذا هو سبب ما يحكى عنهم من المكاشفة لأنه قد ارتفع عنهم حجب الذنوب وذهب عنهم أدران المعاصي .
وغيرهم من لا يبصر ولا يسمعه به ولا يبطش به ولا يمشي به لا يدرك من ذلك شيئا بل هو محجوب عن الحقائق غير مهتد إلى مستقيم الطريق كما قال الشاعر : .
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ... سواها وما طهرتها بالمدامع .
وتلتذ منها بالحديث وقد جرى ... حديث سواها في خروق المسامع .
أجلك يا ليلى عن العين إنما ... أراك بقلب خاشع لك خاضع .
وأما من صفا عن الكدر وسمع وأبصر فهو كما قال الآخر : .
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه ... من المسك كافورا وأعواده رندا .
وما ذاك إلا أن هندا عشية ... تمشت وجوت في جوانبه بردا ( 2 / 373 ) .
ومما يدل على هذا المعنى الذي أفاده حديث أبي هريرة حديث : ( ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله ) ) وهو حديث صححه الترمذي فإنه أفاد أن المؤمنين من عباد الله يبصرون بنور الله سبحانه وهو معنى ما في الحديث الأول من قوله A : فبي يبصر .
فما وقع من هؤلاء القوم الصالحين من المكاشفات هو من هذه الحيثية الواردة في الشريعة المطهرة وقد ثبت أيضا في الصحيح عنه A أنه في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر بن الخطاب .
ففي هذا الحديث فتح باب المكاشفة لصالحي عباد الله وأن ذلك من الله سبحانه فيحدثون بالوقائع بنور الإيمان الذي هو من نور الله سبحانه فيعرفونها كما هي حتى كان محدثا يحدثهم بها ويخبرهم بمضمونها