ثم جاء الخلف الصالح فأحبوا أن يظهروا تلك الفضيلة ويشيعوا هذه العلوم التي أفنوا أعمارهم في جمعها إما بإيداع ترتيب أو بزيادة تهذيب أو اختصار أو تقريب أو استنباط حكم وشرح غريب .
فمن هؤلاء المتأخرين من جمع بين كتب الأولين بنوع من التصرف والاختصار كمن جمع بين كتابي البخاري ومسلم مثل : أبي بكر أحمد بن محمد الرماني وأبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي و أبي عبد الله محمد الحميدي فإنهم رتبوا على المسانيد دون الأبواب .
وتلاهم أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري فجمع بين كتب البخاري ومسلم والموطأ لمالك وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي ورتب على الأبواب إلا أن هؤلاء أودعوا متون الحديث عارية من الشرح وكان كتاب رزين أكبرها وأعمها حيث حوى هذه الكتب الستة التي هي أم كتب الحديث وأشهرها وبأحاديثها أخذ العلماء واستدل الفقهاء وأثبتوا الأحكام ومصنفوها أشهر علماء الحديث وأكثرهم حفظا وإليهم المنتهى .
وتلاه الإمام أبو السعادات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري فجمع بين ( 2 / 226 ) كتاب رزين وبين الأصول الستة بتهذيبه ترتيب أبوابه وتسهيل مطالبه وشرح غريبه في جامع الأصول فكان أجمع ما جمع فيه .
ثم جاء الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي فجمع بين الكتب الستة والمسانيد العشرة وغيرها في جمع الجوامع فكان أعظم بكثير من جامع الأصول من جهة المتون إلا أنه لم يبال بما صنع فيه من جمع الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة .
وكان أول ما بدأ به هؤلاء المتأخرون أنهم حذفوا الأسانيد اكتفاء بذكر من روى الحديث من الصحابي إن كان خبرا وبذكر من يرويه عن الصحابي إن كان أثرا والرمز إلى المخرج لأن الغرض ممن ذكر الأسانيد كان أولا إثبات الحديث وتصحيحه وهذه كانت وظيفة الأولين وقد كفوا تلك المؤنة فلا حاجة بهم إلى ذكر ما فرغوا منه .
ووضعوا الأصحاب الكتب الستة علامة ورمزا بالحروف .
فجعلوا البخاري ( خ ) لأن نسبته إلى بلده أشهر من اسمه وكنيته وليس في حروف باقي الأسماء خاء .
ولمسلم ( م ) لأن اسمه أشهر من نسبه وكنيته .
ولمالك ( طه ) لأن اشتهار كتابه بالموطأ أكثر .
ولأن الميم أول حروف اسمه وقد أعطوها مسلما وباقي حروفه مشتبه بغيرها .
والترمذي ( ت ) لأن اشتهاره بنسبه أكثر .
ولأبي داود ( د ) لأن كنيته أشهر من اسمه ونسبه والدال أشهر حروفها وأبعدها من الاشتباه .
وللنسائي ( س ) لأن نسبه أشهر من اسمه وكنيته والسين أشهر حروف ( 2 / 227 ) نسبه وكذلك وضعوا لأصحاب المسانيد بالإفراد والتركيب كما هو مسطور في الجامع