خلوا السبيل عن أبي سياره وعن مواليه بني فزاره حتى يجيز سالما حماره مستقبل الكعبة يدعو جاره وكانت صورة الإجازة أن يتقدمهم أبو سيارة على حماره ثم يخطبهم فيقول اللهم أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا وأوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم واقروا ضيفكم ثم يقول أشرق ثبير كيما نغير ثم ينفذ ويتبعه الناس فلما قوي أمر قصي أتى أبا سيارة وقومه فمنعه من الإجازة وقاتلهم عليها فهزمهم فصار إلى قصي البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء فلما كبر قصي ورق عظمه جعل الأمر في ذلك كله إلى ابنه عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصي وبقيت قريش على ذلك زمانا ثم إن عبد مناف رأى في نفسه وولده من النباهة والفضل ما دلهم على أنهم أحق من عبد الدار بالأمر فأجمعوا على أخذ ما بأيديهم وهموا بالقتال فمشى الأكابر بينهم وتداعوا إلى الصلح على أن يكون لعبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار وتعاقدوا على ذلك حلفا مؤكدا لا ينقضونه ما بل بحر صوفه فأخرجت بنو عبد مناف ومن تابعهم من قريش وهم بنو الحارث بن فهر وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة جفنة مملوءة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسموا المطيبين وأخرجت بنو عبد الدار ومن تابعهم وهم مخزوم بن يقظة وجمح وسهم وعدي بن كعب جفنة مملوءة دما وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسموا الأحلاف ولعقة الدم ولم يل الخلافة منهم غير عمر بن الخطاب Bه والباقون من المطيبين فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وقريش على ذلك حتى فتح النبي A مكة في سنة ثمان للهجرة فأقر المفتاح في يد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار وكان النبي A أخذ المفاتيح منه عام الفتح فأنزلت إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فاستدعاه ورد المفاتيح إليه وأقر السقاية في يد العباس فهي في أيديهم إلى الآن وهذا هو كاف من هذا البحث وأما صفتها يعني مكة فهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جميع النواحي محيطة حول الكعبة وبناؤها من حجارة سود وبيض ملس وعلوها آجر كثيرة الأجنحة من خشب الساج وهي طبقات لطيفة مبيضة حارة في الصيف إلا أن ليلها طيب وقد رفع الله عن أهلها مؤونة الاستدفاء وأراحهم من كلف الاصطلاء وكل ما نزل عن المسجد الحرام يسمونه المسفلة وما ارتفع عنه يسمونه المعلاة وعرضها سعة الوادي والمسجد في ثلثي البلد إلى المسفلة والكعبة في وسط المسجد وليس بمكة ماء جار ومياهها من السماء وليست لهم آبار يشربون منها وأطيبها بئر زمزم ولا يمكن الإدمان على شربها وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل وأما الحرم فليس به شجرة مثمر إلا نخيل يسيرة متفرقة وأما المسافات فمن الكوفة إلى مكة سبع وعشرون مرحلة وكذلك من البصرة إليها ونقصان يومين ومن دمشق إلى مكة شهر ومن عدن إلى مكة شهر وله طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو أبعد والآخر يأخذ على طريق صنعاء وصعدة ونجران والطائف حتى ينتهي إلى مكة ولها طريق آخر على البوادي وتهامة وهو أقرب من الطريقين المذكورين أولا على أنها على أحياء