أخثم مثل القعب باد ظله كأن حمى خيبر تمله وكلفوا العرب أن تفيض من مزدلفة وقد كانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم وخزاعة وصدرا من أيام قريش فلولا أنهم أمنع حي من العرب لما أقرتهم العرب على هذا العز والإمارة مع نخوة العرب في إبائها كما أجلى قصي خزاعة وخزاعة جرهما فلم تكن عيشتهم عيشة العرب يهتبدون الهبيد ويأكلون الحشرات وهم الذين هشموا الثريد حتى قال فيهم الشاعر عمرو العلى هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف حتى سمي هاشما وهذا عبد الله بن جدعان التيمي يطعم الرغو والعسل والسمن ولب البر حتى قال فيه أمية بن أبي الصلت له داع بمكة مشمعل وآخر فوق دارته ينادي إلى ردح من الشيزي ملاء لباب البر يلبك بالشهاد وأول من عمل الحريرة سويد بن هرمي ولذلك قال الشاعر لبني مخزوم وعلمتم أكل الحرير وأنتم أعلى عداة الدهر جد صلاب والحريرة أن تنصب القدر بلحم يقطع صغارا على ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق فإن لم يكن لحم فهو عصيدة وقيل غير ذلك وفضائل قريش كثيرة وليس كتابي بصددها ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجون البيت ويعتمرون ويطوفون فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت فيحفى به في طريقة ويجعله قبلة ويطوفون حوله ويتمسحون به ويصلون له تشبيها له بأصنام البيت وأفضى بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم شغفا منهم بأصنام الحرم وقد ذكرت كثيرا من فضائلها في ترجمة الحرم والكعبة فأغنى عن الإعادة وأما رؤساء مكة فقد ذكرناهم في كتابنا المبدأ والمآل وأعيد ذكرهم ههنا لأن هذا الموضع مفتقر إلى ذلك قال أهل الإتقان من أهل السير إن إبراهيم الخليل لما حمل ابنه إسماعيل عليهما السلام إلى مكة كما ذكرنا في باب الكعبة من هذا الكتاب جاءت جرهم وقطوراء وهما قبيلتان من اليمن وهما ابنا عم وهما جرهم بن عامر بن سبأ بن يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام وقطوراء فرأيا بلدا ذا ماء وشجر فنزلا ونكح إسماعيل في جرهم فلما توفي ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافست جرهم وقطوراء في الملك وتداعوا للحرب فخرجت جرهم من قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض بن عمرو وخرجت قطوراء من أجياد وهي أسفل مكة وعليهم السميدع فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وانهزمت قطوراء فسمي الموضع فاضحا لأن قطوراء افتضحت فيه وسميت أجياد أجيادا لما كان معهم من جياد الخيل وسميت قعيقعان لقعقعة السلاح ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور فسمي المطابخ قالوا ونشر الله ولد إسماعيل فكثروا وربلوا ثم انتشروا في البلاد لا يناوئون قوما إلا ظهروا عليهم بدينهم ثم إن جرهما