الناقة من الحجاج قلت أما قولي أجل فلأنها بلدة جمعت الدنيا والآخرة فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد سوقها ومن كان من أبناء الآخرة فدعته نفسه إلى نعمة الدنيا وجدها وأما طيب هوائها فإهن لا سم لبردها ولا أذى لحرها وأما الحسن فلا يرى أحسن من بنيانها ولا أنظف منها ولا أنزه من مسجدها وأما كثرة الخيرات فقد جمع الله فيها فواكه الأغوار والسهل والجبل والأشياء المتضادة كالأترج واللوز والرطب والجوز والتين والموز وأما الفضل فهي عرصة القيامة ومنها النشر وإليها الحشر وإنما فضلت مكة بالكعبة والمدينة بالنبي ويوم القيامة تزفان إليها فتحوي الفضل كله وأما الكبر فالخلائق كلهم يحشرون إليها فأي أرض أوسع منها فاستحسنوا ذلك وأقروا به قال إلا أن لها عيوبا يقال إن في التوراة مكتوبا بيت المقدس طست من ذهب مملوء عقارب ثم لا ترى أقذر من حماماتها ولا أثقل مؤنة وهي مع ذلك قليلة العلماء كثيرة النصارى وفيهم جفاء وعلى الرحبة والفنادق ضرائب ثقال وعلى ما يباع فيها رجالة وعلى الأبواب أعوان فلا يمكن أحدا أن يبيع شيئا مما يرتفق به الناس إلا بها مع قلة يسار وليس للمظلوم أنصار فالمستور مهموم والغني محسود والفقيه مهجور والأديب غير مشهور ولا مجلس نظر ولا تدريس قد غلب عليها النصارى واليهود وخلا المجلس من الناس والمسجد من الجماعات وهي أصغر من مكة وأكبر من المدينة عليها حصن بعضه على جبل وعلى بقيته خندق ولها ثمانية أبواب حديد باب صهيون وباب النية وباب البلاط وباب جب ارميا وباب سلوان وباب أريحا وباب العمود وباب محراب داود عليه السلام والماء بها واسع وقيل ليس ببيت المقدس أكثر من الماء والأذان قل أن يكون بها دار ليس بها صهريج أو صهريجان أو ثلاثة على قدر كبرها وصغرها وبها ثلاث برك عظام بركة بني إسرائيل وبركة سليمان وبركة عياض عليها حماماتهم لها دواع من الأزقة وفي المسجد عشرون جبا مشجرة قل أن تكون حارة ليس بها جب مسيل غير أن مياهها من الأزقة وقد عمد إلى واد فجعل بركتين تجتمع إليهما السيول في الشتاء وقد شق منهما قناه إلى البلد تدخل وقت الربيع فتدخل صهاريج الجامع وغيرها وأما المسجد الأقصى فهو على قرنة البلد الشرقي نحو القبلة أساسه من عمل داود طول الحجر عشرة أذرع وأقل منقوشة موجهة مؤلفة صلبة وقد بنى عليه عبد الملك بحجارة صغار حسان وشرفوه وكان أحسن من جامع دمشق لكن جاءت زلزلة في أيام بني العباس فطرحته إلا ما حول المحراب فلما بلغ الخليفة خبره أراد رده مثلما كان فقيل له تعيا ولا تقدر على ذلك فكتب إلى أمراء الأطراف والقواد يأمرهم أن يبني كل واحد منهم رواقا فبنوه أوثق وأغلظ صناعة مما كان وبقيت تلك القطعة شامة فيه وهي إلى حذاء الأعمدة الرخام وما كان من الأساطين المشيدة فهو محدث وللمغطى ستة وعشرون بابا باب يقابل المحراب يسمى باب النحاس الأعظم مصفح بالصفر المذهب لا يفتح مصراعه إلا رجلا شديد القوة عن يمينه سبعة أبواب كبار في وسطها باب مصفح مذهب وعلى اليسار مثلها وفي نحو المشرق أحد عشر بابا سواذج وخمسة عشر رواقا على أعمدة رخام أحدثها عبد الله بن طاهر وعلى الصحن من الميمنة أروقة على أعمدة رخام وأساطين وعلى المؤخر أروقة أزاج من الحجارة وعلى وسط المغطى جمل عظيم خلف قبة حسنة والسقوف كلها