{ رقى } ... فيه [ ما كُنَّا نَأْبِنُه بِرُقْية ] قد تكرر ذكْر الرُّقْيَة والرُّقَي والرَّقْى والاسْتِرْقاء في الحديث . والرُّقْيَة : العُوذة التي يُرْقى بها صاحب الآفة كالحُمَّى والصَّرع وغير ذلك من الآفات . وقد جاء في بعض الأحاديث جَوازُها وفي بعضها النَّهْي عنها : .
( س ) فمِنَ الجَواز قوله [ اسْتِرْقُوا لَها فإنّ بها النَّظْرة ] أي اطْلُبوا لها مَن يَرْقيها .
( س ) ومن النَّهْي قوله [ لا يَسْتَرْقُون ولا يكْتَوُون ] والأحاديث في القِسْمين كثيرة ووَجْه الجَمْع بينهما أنّ الرُّقَي يُكْرَه منها ما كان بغير اللِّسان العَرَبِيّ وبغير أسماء اللّه تعالى وصِفاته وكلامِه في كُتُبه المُنَزَّلة وأن يَعتَقد أن الرُّقْيا نافِعَة لا مَحالة فَيَّتِكل عليها وإيَّاها أراد بقوله [ ما تَوَكَّل من اسْتَرقَا ] ولا يُكْره منها ما كان في خلاف ذلك كالتَّعَوّذ بالقُرآن وأسماء اللّه تعالى والرُّقَى المَرْوِيَّة ولذلك قال للذي رَقَى بالقرآن وأخَذَ عليه أجْراً : [ من أخَذ بِرُقْيَة بَاطِلٍ فقد أخَذْتَ بِرُقْية حَقّ ] .
( س ) وكقوله في حديث جابر [ أنه E قال : اعْرِضُوها عليَّ فعرَضْنَاها فقال : لا بأس بها إنَّما هي مَواثِيقُ ] كأنه خاف أن يَقَع فيها شيء مما كانوا يَتلَّفظون به ويعتَقِدونه من الشِّرْك في الجاهلية وما كان بغير اللسان العَرَبيّ ممَّا لا يُعْرف له تَرْجَمة ولا يُمْكن الوُقوف عليه فلا يجوز اسْتِعْمالُه .
( س ) وأمّا قوله [ لا رُقْيَة إلَّا مِن عَيْنٍ أو حٌمَة ] فمعناه لا رُقْيَة أوْلَى وأنفَع . وهذا كما قيل : لا فَتي إلَّا عَلِيّ . وقد أمَر E غير وَاحِد من أصحابه بالرُّقْية . وسَمع بجماعة يَرْقون فلم يُنْكِر عليهم .
( س ) وأمّا الحديث الآخر في صِفة أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حساب [ هم الذين لا يِسْتَرْقُون ولا يكْتَوُون وعلى رَبِّهم يتوكلون ] فهذا من صِفَة الأولياء المُعْرِضين عن أسباب الدُّنيا الذين لا يَلتَفِتون إلى شيء من عَلائِقها . وتلك دَرَجة الخَواصِّ لا يَبْلُغها غيرُهم فأمّا العَوامُّ فَمُرخَّص لهم في التَّداوِي والمعالجات ومن صَبَر على البَلاء وانْتظَر الفرج من اللّه بالدعاء كان من جُمْلة الخوَاصّ والأولياء ومَن لم يصبر رُخِّص له في الرُّقْية والعِلاج والدَّواء ألَا تَرى أن الصِّدِّيق لمَّأ تَصدق بجميع ماله لم يُنْكِر عليه عِلْماً منه بِيَقينه وصَبْره وَلمَّا أتاه الرجُل بمثْل بَيْضَة الحَمام من الذَّهب وقال : لا أمْلِك غيره ضَرَبَه به بحيْثُ لو أصابَه عَقَره وقال فيه ما قال .
( س ) وفي حديث اسْتِرَاق السَّمع [ ولكنهم يُرَقُّون فيه ] أي يَتَزيَّدُون . يقال : رَقَّى فُلان على الباطل إذا تقَوّل ما لم يكُن وزَادَ فيه وهو من الرُّقِيّ : الصُّعود والارْتِفاع . يقال : رَقِيَ يَرْقَى رُقيّاً وَرَقَّي شُدِّد للتَّعدِية إلى المفعول . وحقيقة المعْنَى أنهم يَرْتَفِعون إلى الباطل ويَدَّعُون فوق ما يسْمَعونه .
- ومنه الحديث [ كنْت رَقَّاءً على الجبال ] أي صَعَّاداً عليها . وفعَّال للمبالغة