أَيْ : نُفُوسُه جعل له نفوساً لتَفَرُّق الرَّأْيِ وانْتشارِه . فمعنى قوله كَذَبَكَ الحَجُّ : أَيْ : لِيُكَذِّبْكَ الحَجُّ أَيْ : لِيُنَشِّطْك ويَبْعَثْكَ على فِعْلِه . وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : معنى كَذَبَ عليكمُ الحَجُّ : على كلامَيْنِ كأَنَّه قال كذَبَ الحَجُّ عليكَ الحَجُّ أَي : لِيُرَغِّبْكَ الحَجُّ وهو واجبٌ عليك فأَضْمَرَ الأَوّل لِدِلاَلة الثّاني عليه ؛ ومَن نَصَبَ الحَجَّ أَيْ جَعله منصوباً كما رُوِيَ عن بعضهم فقد جَعَلَ عَلَيْكَ اسم فِعْلٍ وفي كَذَبَ ضَمِيرُ الحَجِّ وعَلَيْكُم الحَجّ : جملةٌ أُخْرَى والظّرف نُقِلَ إِلى اسْمِ الفِعْلِ كعَلَيْكُم أَنْفُسَكُم وفِيه إِعادةُ الضَّمير على متأَخّرٍ إِلاَّ أَنْ يلْحَقَ بِالأَعْمَال فإِنّه معتَبَرٌ فيه مع ما في ذلك في التّنافُرِ بين الجُمَلِ وإِنْ كانَ يستقيم بحَسَب ما يَؤُول إِليه الأَمرُ . على أَنّ النّصْبَ أَثْبتَه الرَّضِيُّ وجعل " كَذَبَ " اسْمَ فِعْل بمعنى الْزَمْ وما بَعدَهُ منصوبٌ به ورُدَّ كلامُه بأَنَّهُ مخالِفٌ لإجماعهم . وقيل إن النَّصْبَ غيرُ معروفٍ بالكُلِّيّة فيه كما حقّقه شيخُنا على ما يأتي . وفي الصَّحاح : وهي كلمة نادِرَة جاءَت على غيرِ قياسٍ . وعن ابْنُ شُمَيْلٍ : كَذَبَك الحَجُّ : أَيْ أَمْكَنَك فَحُجَّ ؛ وكَذَبَك الصَّيْدُ أَي : أَمْكَنَكَ فَارْمِه . أو المعْنَى : كَذَبَ عَليْكَ الحَجُّ إن ذَكَر أنَّه غَيْرُ كافٍ هادمٍ لما قبلَهُ من الذُّنُوبِ . قال الشاعر وهو عَنْتَزَةُ العَبْيُّ يُخَاطب زوجَتَهُ عَبْلَةَ قيل : لخُزَزَ بْنَ لَوْذانَ السَّدُوِسيّ وهو موجود في ديوانهما : .
كَذَبَ العَتِيقُ وماءُ شَنٍّ بارِدٍ ... إنْ كُنْتِ سائِلتَيِ غَبُوقاً فاذْهَبيِ ومُضَرُ تَنْصبُ العَتيقَ بعدَ " كَذَبَ " على الإغْرَاء واليَمَنُ تُرَفْعَهُ . والعَتيقُ التَّمْرُ اليابِسُ . والبيت من شواهِدِ سيبويه وأَنشده المُحَقِّقُ الرَّضىُّ في أَوائل مبحث أَسماءِ الأَفعال شاهداً على أنَّ " كَذَبَ " في الأصل فِعْلٌ وقد صار اسم فِعْلٍ بمعنى الزَمْ قال شيخُنا : وهذا أَي : كونُهُ اسْمَ فِعْلٍ شَيءٌ انفرد به الرَّضىُّ . وانظرْ بقيَّتَهُ في شرح شيخِنا . ثمّ إنّه تقدَّمَ على أنَّ النَّصْبَ قد أَنكَرَهُ جماعةٌ وعَيَّنَ الرَّفعَ منهم جماعةٌ منهم أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَاريِّ في رسالة مستقلَّةِ شَرَحَ فيها معانيَ الكَذبِ وجعلَها خمسةً قال : كَذَب معناه الإغراءُ . ومُطالَبَةُ المُخَاطَب بلُزُومِ الشَّيءِ المذكور كقول العرب : كذبَ عليك : العَسَلُ ويردُونَ : كُلِ العسلَ فغلب المُضافَ إليه على المُضَاف . قال : عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب : " كذَبَ عَلَيْكُم الحَجُّ كَذَبَ عَلَيْكُمُ العُمْرَةُ كَذَبَ عَلَيْكُمُ الجِهَادُ ثلاثةُ أَسْفارٍ كَذَبْنَ عَلَيْكُم " معناه : الْزَمُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ والجِهَادَ ؛ والمُغْرَى به مرفوعٌ بكَذَبَ لا يجوز نصبهُ على الصِّحَة لأَنَّ كَذَبَ فِعْلٌ لا بُدَّ له من فاعل وخَبَرٌ لا بُدَّله من مُحَدَّث عنه . والفعل والفاعل كلاهُما تأْويلُهما الإِغْرَاءُ . ومن زَعَمَ أَنَّ الحَجَّ والعُمْرَةَ والجِهَادَ في حديثِ عُمَرَ حُكْمُهنَّ النَّصْبُ لمْ يُصِبْ إِذ قَضَى بالخُلُوِّ عن الفاعل . وقد حكى أَبو عُبَيْدٍ عن أَبي عُبَيْدَةَ عن أَعْرَابِيّ أَنَّه نَظَرَ إِلى ناقةٍ نِضْوٍ لِرَجُل فقال : كَذَبَ عَلَيْكَ الَبزْرَ والنَّوَى . قال أَبو عبيد : لم يُسْمَعِ النَّصْبُ مع " كَذَب " في الإِغراءِ إِلاّ في هذا الحرف قال أَبو بكر : وهذا شاذٌ من القَول خارج ٌفي النَّحْو عن مِنْهَاج القِياس مُلْحَقٌ بالشَّوَاذِّ الَّتِي لا يُعَوَّلُ عليها ولا يُؤْخَذُ بها ؛ قال الشّاعرُ : " كَذَبَ العَتِيقُ " إِلى آخره معناه : الْزَمى العتيقَ هذا الماءَ ولا تُطالِبِيتي بغيرهما . والعتيقُ : مرفوعٌ لا غَيْرُ . انتهى . وقد نقل أَبو حَيّان هذا الكلامَ في تَذْكِرته وفي شرح التَّسْهِيل وزاد فيه بأَنّ الّذي يَدُلُّ على رفع الأَسماءِ بعد " كَذَبَ " أَنَّه يتَّصل بها الضَّمير كما جاءض في كلامِ عُمَرَ : ثلاثةُ أَسفارٍ كَذَبْنَ عليكم . وقال الشّاعرُ :