جِنِّي رواه هارُونُ عن الحَسَنِ وابن أبي إِسْحاقَ قال ابنُ مُجاهِد : هو غَلَطٌ قالَ أَبو الفَتْح : لَعَمْرِي إِنَّ ذلك تَركٌ لما عَلَيهِ أَهْلُ اللُّغَة ولكِنْ قد جاءَ له نَظِيرٌ أَعْني قَوْلَنا : هَلَكَ يَهْلَكُ فَعَلَ يَفْعَلُ وهو ما حَكاهُ صاحب الكِتابِ من قَوْلِهم : أبى يَأْبى وحَكَى غَيرُه : قَنَطَ يَقْنَطُ وسَلا يَسلَى وجَبَا الماءَ يَجْبَاه ورَكَنَ يَركَنُ وقَلاَ يَقْلَى وغَسَى اللّيل يَغْسَى وكانَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَه اللّه يَذْهَبُ في هذا إلى أَنّها لُغاتٌ تَداخَلَتْ وذلِكَ أَنّه قد يُقال : قَنَطَ وقَنِطَ ورَكَنَ ورَكِنَ وسَلا وسَلِيَ فتَداخَلَتْ مُضارِعاتُها وأَيْضًا فإِنّ في آخِرِها أَلِفًا وهي أَلف سَلا وقَلاَ وغسى وأبى فضارَعَت الهَمْزَة نحو قَرَأَ وهَدَأَ .
وبَعْدُ : فإِذا كان الحَسَنُ وابنُ أبي إِسْحاقَ إِمامَين في الثِّقَةِ واللُّغَةِ فلا وَجْهَ لمَنْعِ ما قَرَآ بِهِ ولا سِيّما وله نَظِيرٌ في السَّماعِ وقد يَجُوزُ أَنْ يكونَ يَهْلَكُ جاءَ على هَلِكَ بمنزِلَةِ عَطِبَ غير أَنّه اسْتُغْنىَ عن ماضِيه بهَلَكْ انتهى . هُلْكًا - بالضّم - وهَلاكًا بالفَتْح وتهْلُوكًا وهذه عن ابن بَريّ وهُلُوكًا بضَمِّهما وهذه نَقَلَها الجَوْهَرِيُّ مع الثانيةِ وقالَ شيخُنا : لو قال بضَمِّانَّ وأَسْقَطَ الضّمَّ الأَوّلَ لكانَ أَخْصَرَ وأوْجَزَ مع الجَريِ على قاعِدَتِهِ المَأْلُوفةِ فعُدُولُه عنها لغَيرِ نُكْتَة غيرُ صَواب . قلت : العُذْرُ في ذلك تَخَلُّلُ لفظِ هَلاكٍ وهو بالفَتْحِ . نَعَم لو أَخَّرَ لَفْظَ هَلاكٍ بعد قولِه بضَمِّهِما كانَ كما قالَهُ شَيخُنا فتأَمَّل ومَهْلُكَةً كذا في النُّسِخِ والصّوابُ مَهْلكًا كما هو نَصّ الِّصحاحِ والعُباب وتَهْلِكَةً مثَلَّثَتَيِ اللامِ واقْتَصَر الجوهرِي على تثْلِيث لامٍ مَهْلُك وأَمّا التَّهْلُكَة بضَم الّلامِ فنُقِل عن اليَزِيدِيِّ أَنَّه من نوادِرِ المَصادِرِ وليسَتْ مما يَجْرِي على القِياسِ وأَنشَد ابنُ بَريّ شاهِدًا على التّهْلُوكَ قولَ أَبي نُخَيلَةَ لشَبِيبِ بن شَبَّةَ : .
" شبِيبُ عادَى اللُّه مَن يَجْفُوكا .
" وسبَّبَ اللّه له تُهْلُوكا وقرَأَ الخلِيلُ قوله تعالى : " ولا تُلْقُوا بأَيْدِيكُم إِلى التَّهْلُكة " بكسرِ اللامِ وقولُه : مات تفْسِيرٌ لقولِه هَلكَ ولم يُقيِّدْه بشيء ؛ لأَنه الأَكْثر في اسْتِعمالِهم واخْتِصاصُه بمِيتةِ السّوءِ عرفٌ طارِئٌ لا يُعْتدُّ به بدَلِيل ما لا يُحْصَى من الآي والأَحادِيثِ قالَ شيخُنا : ولُطُروِّ هذا العُرفِ قال الشِّهابُ في شرحِ الشِّفاءِ : إِنْه يَمْنعُ إِطْلاقه في حق الأنْبِياءِ عليهِمُ الصّلاةُ والسّلامُ ولا يُعْتدُّ بأَصْلِ اللّغةِ القدِيمَةِ كما لا يَخْفي عَمَّنْ له مَساسٌ بالقواعِدِ الشَّرعِيَّةِ واللّه أَعْلمُ .
وأهْلكه غيرُه واسْتَهْلكه وهَلَّكهُ تهْلِيكًا وأَنشد ثعلب : .
" قالتْ سُليمَى هَلِّكُوا يَسارَا وقَوْلُ النَّبِيِّ صَلّى الّلهُ عليهِ وسَلّمَ : " إِذا قال الرَّجُلُ هَلكَ النّاسُ فهُوَ أَهْلكُهْم " يروى برفِعِ الكافِ وفتْحها فمن رَفع الكاف أرادَ أَنَّ الغالِينَ الذين يُؤيسُون الناسَ من رَحْمَةِ اللّه تعالى يَقُّولُون هَلكَ الناسُ أي : اسْتوْجَبُوا النارَ والخُلُودَ فيها لسُوءِ أَعْمالِهِم فإِذا قال الرّجُلُ ذلِكَ فهو أَهْلكُهم وقِيل : هو أَنْساهُم للّه تعالى ومن رَوَى بفتْحِ الكافِ أَرادَ فهُوَ الذي يُوجبُ لهم ذلِكَ لا اللّهُ تعالى .
وقولهُ صَلَّى الله عليهِ وسَلَّمَ : " ما خالطَت الصَّدَقةُ مالاً إِلاّ أَهْلكتْه " حَضٌّ على تعْجِيلِ الزَّكاةِ من قبلِ أَن تخْتلِط بالمالِ فَتذْهَبَ به ويُقال : أَرادَ تحْذِيرَ العُمّالِ اخْتِزالَ شيء مِنْها وخلْطَهم إِيّاهُ بأَمْوالِهِم وفي التَّنْزِيلِ : " وتِلْكَ القُرَىَ أَهْلكْناهُم لمّا ظلمُوا " .
وهَلكه يَهْلِكُه هَلْكًا بمَعْنى أَهْلكه لازِمٌ مُتعَدِّ قال أَبو عُبَيدَة : أَخْبَرَني رُؤْبَةُ أَنّه يقال : هَلكْتَنِي بمعنى أَهْلكْتني قال : وليسَتْ بلُغتِي قال أَبو عُبَيدَةَ : وهي لُغةُ تمِيمِ وأَنْشد الجَوْهَرِيُّ للعَجّاجِ : .
" ومَهْمَهِ هالِك مَنْ تعَرَّجَا