وإِنَّما قالُوا أُهَرِيقُهُ بضمّ الهمزةِ وفتح الهاءِ ولم يَقُولُوا أأرِيقُه لاستِثْقالِ الهَمْزَتَيْنِ وقد زالَ ذلك بعدَ الإِبْدالِ انتهى . قلت : وقالَ بعضُ النَّحْوِيِّين : إِنَّما هو هَراقَ يُهَريقُ ؛ لأَنَّ الأَصْلَ من أَراقَ يُرِيقُ يُؤَرْيِقُ لأَنَّ أَفْعَلَ يُفْعِلُ في الأَصل كان يُؤَفْعِلُ فَقَلبُوا الهمزةَ التي في يُؤَرْيِقُ هاءً فقِيلَ : يُهَريقُ فلذا تَحَرَّكت الهاءُ نقله ابنُ سيدَه . وفي المِصْباح : وقد يُجْمَعُ بينَ الهاءِ والهمزةِ فيُقال : أَهْراقَهُ يُهْرِيقُه ساكن الهاءِ تَشْبِيهاً له بأَسْطاعَ يُسطِيعُ كأَنَّ الهمزةَ زِيدَتْ عِوَضاً عن حركةِ الياءِ في الأصل ولهذا لا يَصيرُ الفِعْلُ بهذه الزِّيادَةِ خُماسِيًّاً وفي التَّهذيب من قالَ : أَهْرَقْتُ فهو خَطَأٌ في القياس انتهى . قلتُ : نَصّ الأَزهريّ في التَّهذِيبِ : هَراقَت السَّماءُ ماءها تُهَرِيقُ والماءُ مُهَراقٌ الهاءُ في ذلك كُلِّه متحركَةٌ ؛ A لأَنَّها لَيسَتْ بأَصْلِيَّة إِنَّما هي بَدَلٌ من هَمْزَةِ أَراقَ قال : وهَرَقْتُ مثلُ أَرَقْت ومن قالَ : أَهْرَقْتُ فهو خَطَأ في القِياسِ قالَ : ومثلُ قولِهم : هَرَقْتُ والأَصْلُ أَرَقْتُ قولُهم : هَرَحت الدَّابَّةَ وأَرَحْتُها وهَنَرتُ النّارَ وأَنَرتها قالَ : وأَما لغَةُ من قالَ : أَهْرَقْتُ الماءَ فهي بَعِيدَةٌ قال أبو زيدٍ : الهاءُ منها زائِدَةٌ كما قالُوا : أَنْهَأتُ اللَّحْمَ والأَصْلُ أَنأته بِوَزْنِ أَنَعْتُه . قالَ شَيخُنا : وَإنَّما أَوْجَبُوا فتحَ الهاءِ لا حَذْفَها لأَمْرَيْن : أَحدهما : أَنَّ مُوجِبَ الحَذْفِ الذي هو اجْتِمَاعُ هَمْزَتينِ قد زالَ وَذَهَبَ بإِبْدالِها هاءً وهذا هو الذي أشارَ إِليهِ الجَوْهرِيُّ بقولِه وتَبِعَه المُصَنِّفُ وِإنَّما قالُوا : أُهَرِيقُه إِلخ . الثاني : أَنَّه لما كَثُرَ استعمالُ هذا الفعلِ على هذا الوَجْهِ وشاعَ دَوَرانُه كذلك تُنُوسِيَ في الهاءِ معنَى الزِّيادَةِ وصارت كأنها أَصْلٌ من أُصولِ الكلمَةِ ولذلك نَظَّرَها في المِصْباحِ بدَحْرَجَ المُتَّفَقِ على أَصْلِيَّةِ حروفهِ ولهذا تُزادُ الأَلِفُ على هَراق فيُقال : أَهَراقَ في لغة كما مَرّ .
ثمّ قال : فإن قُلْتَ : تَقَدَّم أَنَّ الهاءَ بَدَلٌ من الأَلِفِ وِإذا كانَ كذلك فما وَجْهُ الجَمْعِ بينَها وبيِنَ الهاءِ والقاعدةُ أنّه لا يُجْمَع بين العِوَضِ والمُعَوَّضِ عنهُ . قلتُ : هذا هو الذي أَشارَ إِليه في التَّهْذِيب وقالَ : إِنَّه خَطَأٌ في القِياس حيثُ قالَ : من قالَ : أَهْرَقْتُ فهو خَطَأٌ في القِياسِ ووجهُ تَخْطِئَتِه هو ما يَلْزَمُ من الجَمْعِ بين العِوَضِ والمُعَوَّضِ منه وجَوابُه هو ما أَشارَ إِليه الجَوْهريُّ بقولِه : قالَ سِيبَوَيْهِ : وقد أَبْدَلُوا من الهَمْزَةِ الهاءَ ثم أُلْزِمَتْ فصارَتْ كأَنَّها من نَفْسِ الكلمةِ ثم أُدْخِلت الأَلفُ بعدَ الهاءِ وتُرِكَت الهاءُ عِوَضاً من حَذْفِهم حرَكَةَ العَينِ فكَمُلَ الغَرَضُ وانْتَفي ما قِيلَ من الجَمْعِ بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ منه ولذلكَ قالَ في المِصْباحِ : إِنَّ الكلمةَ لا تَصِيرُ بزِيادةِ الهاءِ خُماسِيَّةً ونَظَّرُوا هذا الفِعْلَ بأَسْطاعَ يُسطيعُ بقطعِ الهمزةِ في الماضِي وضَمِّ الياءِ في المُستَقْبلِ مع أَنّه في الظّاهِرِ خُماسِيٌّ مبتَدَأٌ بهَمْزةِ قَطع كما أَنَّه لا يُضَمّ حرفُ المُضارَعةِ إِلا من الرباعي وجوابُه : أَنَّ الفعلَ رُباعِيٌ وأَنَّ السينَ زائِدةٌ عِوَضاً من ذَهابِ حَركةِ العَيْنِ وهو مَذْهَبُ الأَخْفشِ ومُتابِعِيه فلا يكونُ الفِعْلُ بها خُماسِيًّاً كما في المِصْباحِ وغيرِه ومِثْلُه أَهْراقَ عند الجَوْهرِيِّ ولا ثالِثَ لها . قلت : وتقَدَّم في ط وع لسِيبَوَيْه ويُونُسَ مثلُ قولِ الأَخْفَشِ ثُمَّ قالَ : ولا اعْتِدادَ بما ذَهَب إليه السُّهَيلِيُ - في الرَّوْضِ - من أَنَّهم قد يَجْمَعُونَ أَحْياناً بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ عنه ومِثْلُه أَهْراقَه ؛ لأَنَّه لا يُدَّعَى إِلا إِذا وَجَبَ لُزومُه وقد أَمكنَ عَدَمُه فتَبقَى القاعِدَةُ على أَصْلها