الصِّدقُ بالكَسْر والفَتح : ضدُّ الكَذِب والكسر أفصح كالمَصْدوقَة وهي من المَصادر التي جاءَت على مَفعولة وقد صَدَقَ يَصدُق صَدْقاً وصِدْقاً ومَصْدوقَةً . أو بالفتح مَصدرٌ وبالكَسْر اسمٌ . قال الرّاغِبُ : الصِّدْق والكَذِب أصلُهُما في القَوْل ماضِياً كان أو مسْتَقْبلاً وَعْداً كان أو غيره ولا يكونان من القَوْل إلاّ في الخَبَرِ دون غَيْرِه من أنواع الكلام ولذلك قال تعالى : ( ومَنْ أصْدَقُ منَ اللهِ حَديثاً ) ( ومَنْ أصْدَقُ منَ اللهِ قِيلاً ) ( واذكُر في الكِتابِ إسْماعِيلَ إنّه كانَ صادِقَ الوَعْدِ ) . وقد يكونان بالعَرْض في غَيْره من أنْواع الكلام كالاستِفْهام والأمْر والدُعاءِ وذلِك نَحوُ قولِ القائِل : أزَيْدٌ في الدّارِ ؟ فإنّه في ضِمْنِه إخْبار بكَوْنِه جاهِلاً بحالِ زَيْدٍ وكذا إذا قال : واسِني في ضِمْنِه أنّه مُحتاج الى المُواساةِ وإذا قال : لا تُؤْذِني فَفي ضِمْنِه أنه يؤذِيه قال : والصِّدقُ : مطابَقَةُ القَولِ الضّميرَ والمُخْبَرَ عنه مَعاً ومَتَى انْخرَم شرْطٌ من ذلك لم يكُن صِدْقاً تامّاً بل إمّا ألاّ يوصف بالصّدق وإما أن يوصَف تارةً بالصّدق وتارةً بالكَذِب على نظَرين مُختَلِفين كقَوْلِ كافرٍ - إذا قالَ من غَيْر اعتِقاد - : مُحمّدٌ رَسولُ الله فإنّ هذا يصِحُّ أن يُقال : صَدَق ؛ لكَوْنِ المخبَر عنه كذلك . ويصِحُّ أن يُقال : كَذَب ؛ لمُخالَفَةِ قولِه ضَميرَهُ وللوجْهِ الثّاني أكْذَبَ اللهُ المُنافِقينَ حيْثُ قالوا : إنّكَ رسولُ الله فقال : ( واللهُ يشْهَدُ إنّ المُنافِقينَ لكاذِبونَ ) انتهى . يُقال : صَدَقَ في الحَديثِ يَصدُق صَِدْقاً . وقد يتعَدّى الى مَفْعولَين تَقولُ : صدَقَ فُلاناً الحدِيثَ أي : أنْبَأَه بالصِّدْقِ . قال الأعْشى : .
فصدَقْتُها وكَذَبْتُها ... والمَرْءُ ينفَعُه كِذابُهْ ومنه قولُه تَعالَى : ( ولقد صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَه ) وقولُه تعالى : ( لقد صَدَقَ اللهُ رَسولَه الرُّؤْيا بالحَقِّ ) . ومن المجاز : صَدَقوهم القِتالَ وصَدَقوا في القِتال : إذا أقدَمُوا عليهم عادَلوا بها ضِدَّها حين قالوا : كَذَبوا عنه : إذا أحْجَموا . وقال الراغب : إذا وَفَّوْا حَقَّه وفَعَلوا على ما يجِبُ . وقد استعمِل الصِّدقُ هنا في الجَوارح ومنه قَولُه تعالى : ( رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ علَيه ) أي حقّقوا العَهْدَ لِما أظهَروه منأفْعالِهم . وقال زُهَيْر : .
لَيْثٌ بعَثَّرَ يصْطادُ الرِّجالَ إذا ... ما اللّيثُ كذّبَ عن أقْرانِه صَدَقا ومن أمثالهم : صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه وذلك أنّه لمّا نفَر قال له : هِدَعْ وهي كلمةٌ تُسَكَّنُ بها صِغارُ الإبل إذا نفَرت كما في الصِّحاح وقد مرّ في : ه د ع هكذا في سائِر النُسَخ المَوجودة ولم يَذْكُر فيها ذلك وإنما تعرَّض له في ب ك ر فكأنّه سَها وقلّد ما في العُبابِ فإنّه أحالَه على هدع ولكنّ إحالةَ العُباب صَحيحة وإحالة المُصَنِّفِ غيْرُ صَحيحةٍ . ومن المجاز : الصِّدقُ بالكَسْر : الشِّدّة . وفي العُباب : كُلُّ ما نُسِبَ الى الصّلاح والخَيْر أُضيف الى الصِّدْق . فقيل : هو رَجُلُ صِدْقٍ وصَديقُ صِدْق مُضافَيْن ومَعْناه : نِعْمَ الرّجُلُ هو وكذا امرأةُ صِدْقٍ فإن جعلته نَعْتاً قلت : الرجل الصَّدْق بفَتْح الصّاد وهي صَدْقة كما سيأتي وكذلك ثوبٌ صَدْقٌ . وخِمارُ صِدْق حكاه سيبَوَيْه . وقَولُه عزّ وجَلّ : ( ولقد بَوّأْنا بَني إسْرائِيل مُبَوّأَ صِدْقٍ ) أي : أنزلْناهُم مَنْزِلاً صالِحاً . وقال الرّاغِبُ : ويُعبَّر عن كُلِّ فِعْل فاعِل ظاهِراً وباطِناً بالصِّدق فيُضاف إليه ذلك الفِعْلُ الذي يوصَف به نحْو قوله عزّ وجل : ( في مَقْعَد صِدْقٍ عِنْد مَليكٍ مُقْتَدِر ) وعلى هذا ( أنّ لهم قَدَم صِدْقٍ عنْدَ ربّهم ) وقوله تعالى : ( أدْخِلْني مُدْخَلَ صِدْق وأخرِجْني مُخْرَجَ صِدْق ) ( واجْعَل لي لِسانَ صِدْقٍ في الآخِرِين ) فإن ذلك سؤالٌ أن يجعلَه الله عزّ وجَلَّ صالِحاً بحَيْث إذا أثْنَى عليه مَنْ بعدَه لم يكن ذلِك الثّناءُ كاذِباً بل يَكون كما قالَ الشّاعِر : .
إذا نحْنُ أثنَيْنا عليكَ بصالِحٍ ... فأنْتَ كما نُثْني وفوقَ الذي نُثْني