تحتَ الكِتابِ أو على ظَهْرِه : يُنْظَرُ في أمْرِ هذا ويُسْتَوْفَى لهذا حَقُّه ورُفِعَ إلى جَعْفَرِ بنِ يَحْيَى كِتابٌ يُشْتَكَى فيهِ بعامِلٍ فكتبَ على ظَهْرهِ : يا هذا قدْ قَلَّ شاكِرُوك وكَثُرَ شاكُوك فإمّا عَدَلْتَ وإلا اعْتَزَلْتَ ورُفِعَ إلى الصّاحبِ بنِ عَبّادٍ كِتابٌ فيهِ أنَّ إنْسَاناً هَلَكَ وتَرَكَ يَتِيماً وأمْوالاً جَلِيلَةً لا تَصْلُحُ لليَتِيمِ وقَصَدَ الكتِبُ إغْرَاءَ الصّاحِبِ بأخْذِهَا فوَقَّعَ الصّاحِبُ فيهِ : الهالِكُ رَحِمَهُ الله واليتيمُ أصْلَحَهُ الله والمالُ أثْمَرَهُ اللهُ والسّاعِي لَعَنَهُ الله ونَحْوُ هذا من التَّوقيعاتِ نَقَلَه شَيْخُنا منْ زوَهْرِ الأكَمْ في الأمْثَالِ والحِكَمْ لشَيْخِ مَشايِخِه أبي الوَفَاءِ الحَسَن بنِ مَسْعُودٍ اليُوسِيِّ رَحِمَهُ الله تعالى قيلَ : هُوَ مأْخُوذٌ منَ التَّوقِيعِ الّذِي هوَ مخالَفَةُ الثانِي للأوَّلِ وقالَ الأزْهَرِيُّ : تَوْقِيعُ الكاتِبِ في الكتابِ المَكْتُوبِ : أنْ يُجْمِلَ بَيْنَ تَضاعِيفِ سُطُورِه مَقَاصِدَ الحاجَةِ ويَحْذِفَ الفُضُولَ وهُوَ مأْخُوذٌ منْ تَوقِيعِ الدَّبَرِ ظَهْرَ البَعِيرِ فكأنَّ المُوَقِّعَ في الكِتَابِ يُؤَثِّرُ في الأمْرِ الّذِي كُتِبَ الكِتابُ فيهِ ما يُؤَكِّدُه ويُوجِبُه وفي زَهْرِ الأكَمِ بَعْدَ نَقَلَه هذه العِبارَةَ فسُمِّيَ هذا تَوْقيعاً لأنَّهُ تأْثِيرٌ في الكِتَابِ حِسّاً أو في الأمْرِ مَعْنىً أوْ منَ الوُقُوعِ لأنَّه سَبَبٌ لوُقُوعِ الأمْرِ المَذْكُورِ أو لأنَّهُ إيقاعٌ لذلكَ المَكْتُوبِ في الكِتابِ فتَوْقِيعُ كذا بمعْنَى إيقاعِه .
قلتُ : ومن أحْسَنِ ما رَأيْتُ في التَّوْقِيعاتِ قَوْلُ العَفيفِ عبدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ منْ مَشَاهِيرِ رِجَالِ زَعْلٍ وَفَدَ على المُؤَيَّدِ صاحِبِ تَعِزَّ فداعَبَه في طَلبِ الفَسْخ قالَ : .
يا مَلِيكاً لوْ وَزَنّا نَعْلَه ... بجَمِيعِ الخَلْقِ طُرّاً وَزَنَتْ .
إنَّ منْ غابَ عنِ الإلْفِ زَنَى ... بَعْدَ طُولِ المُكْثِ عَنْها ... . . ولم يَكْتُبُ قافِيَةَ البَيْتِ الثاني فوَقَّعَ المُؤَيْدُ : وَزَنَتْ رحمَهُ اللهُ فدَلَّ ذلك على جُوْدَةِ فَهْمِهمَا نَقَلْتُه منْ كتابِ الأنْسابِ للنَّاشِرِيِّ .
قالَ شَيخُنا : وقدْ زَعَمَ كَثِيرٌ منْ عُلماءِ الأدَبِ وأئِمَّةِ اللِّسانِ : أنَّ التَّوقيعَ منَ الكلامِ الإسْلامِيِّ وأنَّ العَرَبَ لا تَعْرِفُه وقد صَنَّفَ فيهِ جماعَةٌ ولا سيَّما أهْلُ الأنْدَلُسِ وكلامُهُم ظاهِرٌ في أنَّه غَيْرُ عربِيٍّ قديم وإنْ كانَ مأْخُوذاً منَ المعانِي العَرَبيّةِ فتأمَّلْ .
ثم قال الجَوْهَرِيُّ : يُقَالُ : السُّرُورُ تَوْقيعٌ جائِزٌ قالَ شَيْخُنا : أي منْ أسْبَابِ السُّرُورِ التَّوْقِيعُ الجائِزُ أي : النّافِذُ الماضي الّذِي لا يَرُدُّهُ أحَدٌ لأنَّه يَدُلُ على كَمَالِ الإمارَةِ وتَمَامِ الرِّياسَةِ وهي للنُّفُوسِ أشْهَى منْ كُلِّ شَيءٍ ولذلكَ جَعَلَ السُّرُورَ مُنْحَصِراً فيها وهذا الكلامُ كأنَّهُ جوَابٌ منْ بَعْضِ الأكابِرِ في الإمْرَةِ والوَجاهَة ونُفُوذِ الإمْرَةِ كأنَّ شَخْصاً سألَ جَماعةً : ما السُّرُورُ لدَيْهِ ؟ فكُلُّ واحِدٍ أجابَ بما جُبِلَتْ عليهِ نَفْسُه وطُبِعَتْ عَلَيْهِ سَجِيَّتُه على حِسابِ الرَّغَباتِ وهو كَثِيرٌ .
قالُوا : سُئِلَ عالِمٌ فقيلَ له : ما السُّرُورُ ؟ فقالَ : مَعْنىً صَحَّ بالقِياس ولَفْظٌ وَضَحَ بَعْدَ التِباس .
وقيلَ لشُجاعٍ : ما السُّرُورُ ؟ فقالَ طِرْفٌ سَرِيع وقَرْنٌ صَرِيع .
وقيلَ لمَلِكٍ : ما السُّرُورُ ؟ فقالَ : إكْرَامُ وَدُود وإرْغامُ حَسُود .
وقيلَ لعاقِلٍ : ما السُّرُور ؟ فقالَ : صَدِيقٌ تُنَاجِيه وعَدُوٌّ تُداجِيه .
وقيلَ لمِغُنٍّ : ما السُّرُور ؟ فقالَ : مَجْلِسٌ يَقِلُّ هَذَرُه وعُودٌ يَنْطِقُ وتَرُه .
وقيلَ لناسِكٍ : ما السُّرُورُ ؟ فقالَ : عِبادَةٌ خالِصَةٌ منَ الرِّيَاءِ ورِضَى النَّفْسِ بالقَضاءِ .
وقيلَ لوَزيرٍ : ما السُّرُورُ ؟ فقالَ : تَوْقِيعٌ نافِذٌ