وفي كلام المصنّف نَظَرٌ من وَجْهَيْن : الأَوّل أَنه ذَكرَ أَوّلاً الغَمْرَ وقال فيه : الكَرِيمُ الواسِعُ الخُلُقِ وهو بعَيِْنه معنى غَمْرُ الرِّداءِ وغَمرُ الخُلُق . فلو ذَكَرَهما في مَحَلٍّ واحِد كانَ حَسَناً . والثاني أَنّه ذَكَرَ هُنَا غَمْر الخُلُق ولم يُفَسِّرُه فإِنَّ قوله كَثِيرُ المَعْرُوف سَخِيّ هو تفسير غَمْرُ الرِّداءِ . فلو قال : وَاسِع الخُلُق كان تَفْسِراً لهما كما هو ظاهر فتَأَمّل . وغَمَرَ الماءُ يَغْمُرُ من حَدّ نَصَرَ كما في سائر النُّسَخ ووُجِدَ في بعضِ أُمَّهَات اللُّغَة مضبوطاً بضَمِّ المِيم غَمَارَةً بالفَتْح وغُمُورَةً بالضَّمّ : كَثُرَ . زاد في البَصائر : حَتَّى سَتَرَ مَقَرَّه . وغَمَرَةُ الماءُ يَغْمُرُه من حَدِّ نَصَرَ غَمْراً واغْتَمَرَهُ : غَطّاهُ وسَتَرَهُ . ومنه سُمِّيَ الماءُ الكَثيرُ : غَمْراً لأَنَّهُ يَغْمْر مَن دَخَلَه ويُغَطِّيه . ومن المَجازِ : جَيْشٌ يَغْتَمِرُ كلَّ شيْءٍ أَي يُغَطِّيه . ونَخْلٌ مُغْتَمِرٌ : يَشْرَبُ في الغمَرْةَ عن أَبي حَنِيفَةَ وأَنشد قَوْلَ لَبِيد في صِفَة نَخْل : .
يَشْرَبْنَ رِفْهاً عِرَاكاً غَيرَ صادِرَةٍ ... فكُلُّهَا كَارِعٌ في المَاءِ مُغْتَمِرُ قلتُ ولم يَذكر المصنّف الغَمْرَةَ وأَحَالَ عليه هُنَا وهو مِثْلُ الغَمْرِ الماءُ الكثيرُ . ورَجُلٌ مُغْتَمِرٌ : سَكْرَانُ نقله الصاغَانيّ كأَنّه اغْتَمَرَه السُّكْرُ أَي غَطَّى عَلَى عَقْلِه وسَتَرَه . والمَغْمُورُ : الخامِلُ وفي حَديث حُجَيْر : إِنَّني لمَغْمُورٌ فِيهِم أَي لَسْتُ بمَشْهُور كأَنّهُمْ قد غَمَرُوه أَي عَلَوْه بفَضْلِهِم . وتَغَمَّرَ البَعِيرُ : لَمْ يَرْوَ من الماءِ وكذلك العَيْرُ . وقد غَمَّرَهُ الشُّرْبُ . قال الشاعِرُ : .
ولَسْتُ بصَادِرِ عَن بَيْتِ جَارِي ... صُدُورَ العَيْرِ غَمَّرَه الوُرُودُ والغامِرُ من الأَرض والدُّورِ : خلافُ العامرِ وهو الخَرَابُ لأَنَّ المَاءَ قد غَمَرَهُ فلا تُمْكِنُ زرَاعَتُه أَو كَبَسَهُ الرَّمْلُ والتُّرَابُ أَو غَلَبَ عليه النَّزُّ فَنَبَتَ فيه الأَبَاءُ والبَرْدِىُّ فلا يُنْبِتُ شيئاً وقيلَ له غامِرٌ لأَنّه ذو غَمْر من الماءِ وغَيْرُهُ الَّذي غَمَرَه كما يُقَال هَمٌّ ناصبٌ أَي ذو نَصَبٍ . وبه فُسِّرَ حديثُ عُمَرَ رضيَ الله عنه : أَنَّه مَسَحَ السَّوَادَ : عامِرَهُ وغامِرَهُ . فقيل : إِنّه أَراد عامِرَه وخَرَابَه . وفي حَدِيث آخَرَ : أَنَّه جَعَلَ علَى كُلِّ جَرِيبٍ عامرٍ أَو غامٍِر دِرْهَماً وقَفِيزاً وإِنَّمَا فعل ذلك رَضيَ الله عَنْهُ لئلاّ يُقَصِّرَ الناسُ في المُزَارَعَة ؛ قاله الأَزْهريّ . أَو الغَامِرُ مِنَ الأَرْض : كُلُّهَا ما لَمْ تُسْتَخْرَجْ حَتَّى تَصْلُحَ للزِّرَاعَةِ والغَرْسِ . وقِيل : هو ما لَمْ يُزْرَعْ مِمّا يَحْتَمِلُ الزِّرَاعَة وإِنّمَا قيل له غامِرٌ لأَنّ الماءَ يَبْلُغُه فيَغْمُرُه وهو فاعلٌ بمعنى مَفْعُول كقولهم : سِرٌّ كاتمٌ وماءٌ دافِقٌ وإِنّمَا ُبِنَي عَلَى فاعِل لِيُقَابَلَ به العامِرُ وما لا يَبْلُغُه الماءُ من مَوَات الأَرْض لا يُقَال له غامِر ؛ قاله أَبو حَنِيفَةَ . وفي بعض النُّسَخ : والأَرْضُ كُلُّهَا بالواو . والغامرَةُ بهاءٍ : النَّخْلُ التي لا تَحْتَاجُ إِلى السَّقْي قاله أَبو حنيفة . قال الأَزْهَرِيّ : ولم أَجِدْ هذا القَوْلَ مَعْرُوفاً . ومن المَجَازِ : غَمْرَةُ الشَّيْءِ بالفتح : شِدَّتُه ومُنْهَمَكُه كغَمْرَةِ الهَمِّ والمَوْتِ ونَحْوِهما ومُزْدَحَمُهُ والأَخِيرُ يُسْتَعْمَل في المَاءِ والناسِ ج غَمَرَاتٌ مُحَرَّكة وغِمَارٌ بالكَسْر . قلتُ : وتُجْمَعُ الغَمْرَةُ أَيضاً على غُمَر مثل نَوْبَة ونُوَب قال القُطَامِيّ ويَذْكُر الطّوفانَ : .
إِلَى الجُودِىِّ حَتَّى صَارَ حِجْراً ... وحان لِتَالِكِ الغُمَرِ انْحسَارُ الحِجْر : المَمْنُوع الذي له حاجِزٌ قال ابنُ سِيدَه : وجَمْعُ السَّلامَة أَكْثَرُ . وغَمَرَاتُ الحَرْب وغِمَارُها : شَدائِدُها . قال : .
وفارِسٍ في غِمَارِ المَوْتِ مُنْغَمِسٍ ... إِذا تَأَلَّى على مَكْرُوهَةٍ صَدَقَاً