وفي عروس الأفراح : رُتَب الفصاحةِ منها متقاربة فإن الكلمة تخِفّ وتَثقُل بحسب الانتقال من حرف إلى حرفٍ لا يلائمه قُرْباً أو بُعداً فإن كانت الكلمة ثلاثيَّة فتراكيبها اثنا عشر فذكرها ثمَّ قال : وأحسَنُ هذه التراكيب وأكثرُها استعمالاً ما انحدَرَ فيه من الأعلى إلى الأوسط إلى الأدنى ثمَّ ما انتقل فيه من الأوسط إلى الأدنى إلى الأعلى ثمَّ من الأعلى إلى الأدنى وأقلّ الجميع استعمالاً ما انتقل فيه من الأدنى إلى الأعلى إلى الأوسط هذا إذا لم ترجع إلى ما انتقلت عنه فإن رجعت فإن كانَ الانتقال من الحرف إلى الحرفِ الثاني في انحدارٍ من غير طفْرةٍ والطفرةُ الانتقال من الأعلى إلى الأدنى أو عكسه كانَ التركيب أخفَّ وأكثَر وإلا كانَ أثقلَ وأقلَّ استعمالاً . فيه أيضاً أن الثلاثيَّ أفصحُ من الثنائيّ والأُحاديّ ومن الرباعي والخماسي انتهى .
وذكر حازمٌ القُرْطاجنِّيُّ وغيرُه : من شروط الفصاحةِ أن تكون الكلمةُ متوسِّطةً من قلَّة الحروف وكثرتها والمتوسطة ثلاثة أحرف .
المقصد الخامس .
في بيان الأفصح .
قال أبو الفضل : أفصحُ الخلقِ على الإطلاق سيِّدُنا ومولانا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم قال صلّى الله عليه وسلّم " أنا أفصحُ العَرَب " رواه أصحاب الغَريب ورَوَوْه أيضاً بلفظ " أنا أفصحُ من نطقَ بالضادِ بيْد أني من قُرَيشٍ " وإن تُكُلِّم في الحديث .
ونُقِل عن أبي الخطَّاب بن دِحْية : اعْلمْ أن الله تعالى لما وضع رسولَه صلّى الله عليه وسلّم مَوْضِعَ البلاغِ من وَحْيِه ونَصَبَه مَنْصِبَ البيانِ لدينه اختار له من اللغاتِ أعرَبَها ومن الألسن أفصحها وأبيَنَها ثمَّ أمدَّه بجوامِع الكَلِم انتهى .
ثمَّ قال : وأفصحُ العربِ قُريشٌ وذلك لأن الله تعالى اختارَهم من جميع العرب واختار منهم محمداً صلّى الله عليه وسلّم فجعل قريشاً سكَّانَ حرَمِه وَوُلاةَ بيتِه فكانت وُفودُ العرب من حُجَّاجها وغيرِهم يَفِدون إلى مكَّةَ للحَجِّ ويتَحاكمون إلى قريش وكانت قريشٌ مع فصاحتها وحًسنِ لُغاتها ورِقَّةِ ألسنَتِها إذا أتتْهم الوفودُ من العرب تَخيَّروا من كلامهم وأشعارِهم أحسنَ لُغاتِهم وأصفى كلامِهم فاجتمع ما تخيَّروا من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طُبعوا عليها فصاروا بذلك أفصح العرب ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنَةَ تميمٍ ولا عَجْرفة قيسٍ ولا كَشْكَشَة أسد ولا كَسكَسةَ ربيعة . قلت : قال الفراء . العنعنة في قيس وتميم تَجعل الهمزةَ المبدوءَ بها عيناً فيقولون في إنك عِنّكَ وفي أسلم عسلم . والكشكشة في ربيعة ومضر يَجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شيناً فيقولون رأيتُكِش ومررتُ بكِش . والكسكسة فيهم أيضاً يجعلون بعد الكاف أو مكانها سيناً في المذكّر . والفحفحة في لغة هذيل يجعلون الحاء عيناً .
والوَكَم والوَهَم كِلاهما في لغة بني كَلْب من الأوّل يقولون علَيكِمْ وبِكِمْ حيث كانَ قبل الكاف ياءٌ أو كسرةٌ ومن الثاني يقولون مِنْهِمْ وعنهِمْ وإن لم يكن قبل الهاء ياءٌ ولا كسرةٌ .
والعجعجة في قُضاعة يجعلون الياءَ المشدّدة جيماً يقولون في تميميٍّ تميمجّ . والاستِنطاء لغة سعدِ بن بكرٍ وهُذيل والأزْدِ وقيس والأنصار يجعلون العين الساكنة نوناً إذا جاوَرت الطاءَ كأنْطى في أعطى . والوَتم في لغة اليمن يَجْعَل الكاف شيناً مطلقاً كلبيشَ اللهم لبيشَ . ومن العرب من يجعل الكافَ جيماً كالجعْبة يريد الكعبة .
وفي فقه اللغةِ للثعالبي اللخْلَخانِيَّة تَعْرِض في لغة أعراب الشِّحْرِ وعُمان كقولهم مَشا الله أَي ما شاء الله . والطُّمطُمانِيَّة تَعْرِض في لغة حِمْير كقولهم طابَ امْهَواء أَي طاب الهواء .
المقصد السادس .
في بيان المطرد والشاذ والحقيقة والمجاز والمشترك والأضداد والمترادف والمعرّب والمولَّد