بسم الله الرحمن الرحيم .
أحْمَدُ مَنْ قَلَّدَنا مِنْ عِقْد صِحاح جَوْهرِ آلائه وأوْلانا من سَيْب لُباب مُجمَل إحسانه وإعطائه وأفاض علينا من قاموس بِرِّه المُحيط فائقَ كَرَمهِ وباهرَ إسدائه وأشهد أن لا إله إِلاَّ الله وحده لا شريك له شهادةً يورِدنا صدقُ قولِها المأنوسِ مَوْرِدَ أحبابِه ومَشارِبَ أصفيائه وأشهد أن سيّدنا ومولانا محمداً السيِّدَ المُرتَضى والسَّنَد المُرتَجى والرسولَ المُنْتَقَى والحبيبَ المجتَبَى المصباحُ المضيءُ المزهِر بمِشكاة السرِّ اللامع المَعْلَمِ العُجاب والصُّبحُ اللامع المُسفِرُ عن خَبايا أسرارِ ناموسِ الصِّدق والصَّواب مُستقْصى مَجمَعِ أمثال الحِكَم بل سِرّ ألِفْ با في كلِّ بابٍ وكتاب والأساس المُحكم بتهذيب مَجدِه المتلاطِم العُباب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحْبٍ وآل مَطالعِ العزّ الأبديّ من موارِد الفخْر والكمال ومشارِقِ المجد والجَلال ما أعرَب المُعرِب عن كلِّ مُغْرِب وسَحَب ذيْلَ إعجازِه على كُل مُسْهِب ونطقَ لسانُ الفصيحِ في نهاية جمهرةِ مَجدِهم الصريحِ المُرقِص المُطربِ وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً .
وبعد فإن التصنيف مِضمارٌ تنصبُّ إليه خَيلُ السِّباق من كلّ أوْب ثمَّ تَتجارى فمِن شاطٍ بَعيد الشأْوِ وساعِ الخَطْو تَشخَص الخيلُ وراءه إلى مُطهَّم سَبَّاقٍ في الحَلْبَة ميفاءٍ على القَصَبة ومن لاحقٍ بالأُخريات مُطَّرَح خلْف الأعقاب مَلطومٍ عن شَقِّ الغُبارِ موسوم بالسُّكَّيت المخلَّف ومن آخذٍ في القَصْدِ مُتنزّل سِطَةَ ما بينهما قد انحرف عن الرَّجَوَيْنِ وجال بين القُطرَيْن فليس بالسَّبَّاق المُفرِط ولا اللاحق المُفرِّط . وقد تصدَّيتُ للإنصباب في هذا المِضمار تَصَدِّيَ القاصِد بِذَرْعِه الرّابِع على ظَلْعِه فتدبَّرتُ فُنونَ العِلم التي أنا كائنٌ بصَدَدِ تكميلِها وقائمٌ بإزاء خِدْمَتِها وتَحصيلها فصادفتُ أصْلَها الأعظم الذي هو اللغةُ العربيَّةُ خليقةً بالمَيْلِ في صَغْو الاعتناءِ بها والكدْح في تقويمِ عِنادِها وإعطاءِ بَداهَةِ الوَكْدِ وعُلالَته إياها .
وكان فيها كتابُ القاموس المحيط للإمام مَجْدِ الدين الشِّيرازيّ أجلَّ ما أُلّف في الفن لاشتماله على كلِّ مُستحسَن من قُصارى فصاحةِ العَرَبِ العَرْباء وبيضةِ منطِقها وزُبدة حِوارِها والرُّكْنَ البديع إلى ذَرابة اللسان وغَرابَةِ اللَّسَن حيث أوْجَزَ لفظَه وأشْبَعَ معناه وقَصَّرَ عِبارَته وأطال مَغْزاه لَوَّح فأغْرَقَ في التصريح وكَنى فأغنى عن الإفصاح وقَيَّدَ من الأوابد ما أعرض واقتنصَ من الشوارد ما أكثب إذا ارتبط في قَرَنِ تَرتيب حروف المعجم ارتباطاً جنحَ فيه إلى وَطْءِ مِنهاجٍ أبْيَنَ من عَمود الصُّبح غيرَ مُتجانفٍ للتطويل عن الإيجاز وذلك أنه بَوّبَه فأورَد في كلِّ بابٍ من الحروف ما في أوّله الهمز ثمَّ قَفَّى على أثره بما في أوّله الباء وهَلُمّ جَرًّا إلى منتهى أبوابِ الكِتاب فقدم في باب الهمزة إيّاها مع الألف عليها مع الباء وفي كلّ بابٍ إياها مع الألفِ على الباءَين وهلُمَّ جرًّا إلى مُنتَهى فصولِ الأبواب وكذلك راعى النَّمط في أوساطِ الكَلِم وأواخرِها وقدّم اللاحِقَ فاللاحق .
ولعَمْري هذا الكتابُ إذا حوضِر به في المَحافل فهو بَهاءٌ وللأفاضل متى ورَدوه أُبَّهَة قد اخترق الآفاقَ مُشرِّقاً ومُغَرِّباً وتدارك سَيرُه في البلاد مُصَعِّداً ومُصَوِّباً وانتظم في سلك التذاكِر وإفاضَةِ أزْلامِ التناظُر ومَدّ بحرَه الكامِل البَسيط وفاض عُبابُه الزاخِر المُحيط وجَلَّت مِنَنُه عند أهل الفنّ وبُسِطَتْ أياديه واشتهر في المدارِس اشتهارَ أبي دُلَفَ بين مُحتضَرِه وباديه وخفّ على المدرِّسين أمْرُه إذْ تَناولوه وقَرُب عليهم مأخَذُه فتداوَلوه وتَناقَلوه