أو من بعد بعد إلى أول العقل أو إلى الحواس فما صححته هذه البراهين فهو حق وما لم تصححه هذه البراهين فهو غير صحيح ثم نعكس عليهم هذا السؤال بعينه فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق قولكم هذا بأي شيء علمتموه بالعقول أم بالحواس أو بدليل غيرهما فإن علمتموه بالحواس أو العقول فكيف خولفتم فيه وإن كنتم عرفتموه بدليل فذلك الدليل بما عرفتموه أبالحواس أم بالعقول أم بدليل آخر وهكذا أبدا وكل سؤال أفسد حكم نفسه فهو فاسد وعلى أن هذا لهم لازم لأنهم صححوه ومن صحح شيئا لزمه ونحن لم نصحح هذا السؤال فلا يلزمنا وقد أجبنا عنه بما دفعه عنا وأما هم فلا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم نسألهم عن علمهم بما يدعون صحته أتعلمونه أم لا فإن قالوا لا نعلمه بطل قولهم إذا قروا بأنهم لا يعلمونه وإن قالوا بل نعلمه سألناهم أبعلم علمتم علمكم بذلك أم بغير علم وهكذا أبدا فهذا أمر قد أحكمنا بيان فساده في باب أفردناه في ديواننا هذا على أصحاب معمر في قولهم بالمعاني وعلى الأشعرية ومن وافقهم من المعتزلة في قولهم بالأحوال وإنما كلامنا هذا مع من يقول بتكافؤ الأدلة .
قال أبو محمد وهذا السؤال نفسه مردود عليهم كما هو ونسألهم أتعلمون صحة مذهبكم هذا أم لا فإن قالوا لا أقروا بأنهم لا يعلمون صحته وفي هذا إبطاله والله أنما هو ظن لا حقيقة وإن قالوا بل نعلمه سألناهم أبعلم تعلمونه أم بغير علم وهكذا أبدا إلا أن السؤال لازم لهم لأنهم صححوه ومن صحح شيئا لزمه وأما نحن فلم نصححه فلا يلزمنا وقد أجبنا عنه في بابه بأننا نعلم صحة علمنا بعلمنا ذلك بعينه لا بعلم آخر ونعقل أن لنا عقلا بعقلنا ذلك بنفسه وإنما هو سؤال من يبطل الحقائق كلها لا من يقول بتكافؤ الأدلة فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العالمين .
قال أبو محمد ثم نقول لهم أنتم فد أثبتم الحقائق وفي الناس من يبطلها ومن يشك فيها وهم السوفسطائية وعلمتم أنهم مخطئون في ذلك ببراهين صحاح فبراهين صحاح أيضا صح ما أبطلتموه أو شككتم فيه من أن في مذاهب الناس مذهبا ظاهر صحيحا الصحة فإذا سأل عنها أجيب بها في مسألة مسألة .
قال أبو محمد ويقال لمن قال لكل ذي ملة أو نحلة أو مذهب لعلك مخطئ وأنت تظن أنك مصيب لأن هذا ممكن في كثير من الأقوال بلا شك أخبرنا أفي الناس من فسد دماغه وهو يظن أنه صحيح الدماغ فإن أنكر ذلك كابر ودفع المشاهدات وأن قال هذا ممكن قيل له لعلك أنت الآن كذلك وأنت تظن أنك سالم الدماغ فإن قال لا لأن ها هنا براهين تصحح أني سالم الذهن قيل له وها هنا براهين تصحح الصحيح من الأقوال وتبينه من الفاسد فإن سأل عنها أجبت بها في مسألة مسألة .
قال أبو محمد فإذ قد بطل بيقين أن تكون جميع أقوال الناس صحيحه لأن في هذا أن يكون الشيء باطلا حقا معا وبطل أن تكون كلها باطلا لأن في هذا أيضا إثبات الشيء وضده معا لأن الأقوال كلها إنما هي نفي شيء يثبته آخر من الناس فلو كان كلا الأمرين باطلا لبطل النفي في الشيء وإثباته معا وإذا بطل إثباته صح نفيه وإذا بطل نفيه صح إثباته فكان يلزم من هذا أيضا أن يكون الشيء حقا باطلا معا تثبت بيقين أن في الأقوال حقا وباطلا وإذ هذا لا شك فيه فبالضرورة نعرف أن بين الحق والباطل فرقا موجودا وذلك الفرق هو البرهان فمن عرف البرهان عرف الحق من الباطل وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل فإنكم محيلون على براهين تقولون أن ذكرها جملة لا يمكن وتأمرون بالجد في طلبها فما الفرق بينكم وبين دعاة الإسماعيلية والقرامطة الذين يحيلون على مثل هذا قلنا لهم الفرق بيننا وبينهم برهانان