برهان ضروري أيضا لا محيد عنه وبالله تعالى التوفيق برهان آخر .
قال أبو محمد ونقول لهم أيما أطول جزآن لا يتجزأ كل واحد منهما وقد ضم أحدهما إلى الآخر أم أحدهما غير مضموم إلى الآخر فلا يجوز أن يقول لأحد إلا أن الجزئين المضمومين أطول من أحدهما غير مضموم إلى الآخر فإذ ذلك كذلك فمن المحال المتنع الباطل أن يقال في شيء هذا أطول من هذا إلا وفي الآخر طول دون طول ما هو أطول منه فقد صح ضرورة أن الطول موجود لكل جزء قالوا فيه أنه لا يتجزأ وإذا كان له طول فهو منقسم بلا خلاف من أحد منا ومنهم وهكذا القول في عرضهما أن ضم أحدهما إلى الآخر وفي عمقها كذلك ولا بد من أن يكون لكل واحد منهما حصة من العرض والعمق وإذ ذاك كذلك ضرورة فكل جزء قالوا فيه أنه لا يتجزى فلا بد من أن يكون له طول وعرض وعمق وإذ ذلك كذلك ضرورة فكل جزء قالوا فيه أنه لا يتجزأ فلا بد من أن يكون له طول وعرض وعمق وإذ ذلك كذلك فهو جسم يتجزأ ولا بد وهذا أيضا برهان ضروري لا محيد عنه وبالله تعالى التوفيق .
وقد رام أبو الهذيل التخلص من هذا الإلزام فبعد ذلك عليه لأنه رام محالا فقال أن الطول الحادث للجزأين عند اجتماعهما إنما هو كالاجتماع الحادث لهما ولم يكن لهما ولا لأحدهما إذا كانا منفردين .
قال أبو محمد وهذا تمويه ظاهر لأن الاجتماع هو ضم أحدهما إلى الآخر نفسه ليس هو شيئا آخر ولم يكونا قبل الضم والجمع مضمومين ولا مجتمعين وليس معنى الطول والعرض والعمق كذلك بل هو شيء آخر غير الضم والجمع وإنما هو صفة للطويل مضموما كان إلى غيره أو غيره مضموم ولا يوجب الجمع والضم طولا لم يكن واجبا قبل الضم والجمع فلم يزد أبو الهذيل على أن قال لما اجتمعا صارا مجتمعين وصارا طويلين وهذه دعوى فاسدة ونظر منحل لأن طول قوله لما اجتمعا صارا مجتمعين صحيح لا سك فيه وقوله وصارا طويلين دعوى مجردة من الدليل جملة وما كان هكذا فهو باطل وأيضا فإن الاجتماع لما حدث بينهما بطل معنى آخر كان موجودا فيهما وهو الافتراق الذي هو ضد الاجتماع فأخبرونا إذا حدث الطول بزعمكم فأي شيء هو المعنى الذي ذهب بوجود الطول وعاقبة الطول ولا سبيل لهم إلى وجوده فصح أن الطول كان موجودا في كل جزء على انفراد وكذلك العرض والعمق ثم لما اجتمعا زاد الطول والعرض والعمق وهكذا أبدا وبالله تعالى التوفيق وهذا هو الذي تشهد له الحواس والمشاهدة والعقل والحمد لله رب العالمين .
وبرهان آخر وهو أن الجرم إن كان أحمر فكل جزء من أجزائه أحمر بلا شك فإن قالوا ليس أحمر قلنا لهم فعله أخضر أو أصفر أو غير ذي لون وهذا عين المحال لأن لكل قد بينا أنه ليس هو شيئا غير أجزائه فلو كان لون أجزائه غير لونه كله لكان لونه غير لونه وهذا محال فإذ لا شك فيما ذكرنا فالجزء الذي يدعون أنه لا يتجزأ هو ذو لون بلا شك وإذ هو ذو لون فهو جسم لا يعقل غير ذلك فهو يتجزأ .
قال أبو محمد وقالت الأشعرية ههنا كلاما ظريفا وهو أنهم قالوا هو ذو لون واحد .
قال أبو محمد كل ملون فهو ذو لون واحد لا ذو ألوان كثيرة إلا أن يكون أبلق أو موشى برهان آخر أن وجود شيء في العالم قائم بنفسه ليس جسما ولا عرضا ولا قابلا للتجزيء ولا طول له ولا عرض ولا عمق فهو محال ممتنع إذ هذا المذكور ليس شيئا غير الباري تعالى وجل تعالى أن يكون له في العالم شبه وبهذا بأن D عن مخلوقاته ولم يكن له كفوا أحد وليس كمثله شيء برهان آخر .
قال أبو محمد كل شيء يحتمل أن يكون له أجزاء كثيرة فبالضرورة ندري أنه يحتمل أن يجزأ إلى أقل منها هذا ما لا تختلف العقول والإحساس فيه كشيء احتمل أن يقسم على أربعة أقسام فلا شك أنه يحتمل أن ينقسم على ثلاثة وعلى اثنين وهكذا في كل عدد ومن دافع في هذا فإنما يدفع الضرورة ويكابر العقل فلو أقمت خطأ من ثلاثة أجزاء كل جزء منها