قال أبو محمد هو الذي قلنا أنهم أما لم يفهموا كلامنا في هذه المسألة فقولنا ما لا نقوله بظنونهم الكاذبة وأما أنهم عرفوا قولنا فحرفوه قلة حياء واستحلال الكذب وجراءة كل عمل الفضيحة لهم في كذبهم وعجزا منهم عن كسر الحق ونصر الباطل فاعلموا أن كل ما نسبوه إلينا من قولنا أن من قطع مكانا أو شيئا بالمشي أو بالجملتين فإنما قطع ما لا نهاية له فباطل ما قلناه قط بل ما قطع إلا ذا نهاية بمساحته وزمانه وأما احتجاجنا على الدهرية بما ذكروا فصحيح هو حجتنا على الدهرية وأما ادعاؤهم أننا نقضنا ذلك في هذا المكان فباطل والفرق بين ما قلناه من أن كل جزء فهو يتجزأ أبدا بلا نهاية وبين ما احتججنا به على الدهرية من إيجاب النهاية بوجود القلة والكثرة في إعداد الأشخاص والأزمان وإنكارنا عليهم وجود أشخاص وأزمان لا نهاية لها بل هو حكم واحد وباب واحد وقول واحد ومعنى واحد وذلك أن الدهرية أثبتت وجود أشخاص قد خرجت إلى الفعل لا نهاية لعددها ووجود أزمان قد خرجت إلى لفعل لا نهاية لها وهذا محال ممتنع وهكذا قلنا في كل جزء خرج إلى حد الفعل فإنها متناهية العدد بلا شك ولم نقل قط أن أجزائه موجودة منقسمة لا نهاية لعددها بل هذا باطل محال ثم أن الله تعالى قادر على الزيادة في الأشخاص وفي الأزمان وفي قسمة الجزء أبدا بلا نهاية لكن كل ما خرج إلى الفعل أو يخرج من الأشخاص او الأزمان وفي قسمة الجزء أبدا بلا نهاية لكن كل ما خرج إلى الفعل أو يخرج من الأشخاص اوالأزمان أو تجزئة الأجزاء فكل ذلك متناه بعدده إذا خرج وهكذا أبدا وأما ما لم يخرج إلى حد الفعل بعد من شخص أو زمان أو تجزى فليس شيئا ولا هو عددا ولا معدودا ولا يقع عليه عدد ولا هو شخص بعد ولا زمان ولا جزء وكل ذلك عدم وإنما يكون جزءا إذا جزئ بقطع أو برسم مميز لا قبل أن بجزء وبهذا تبيين غثاثة سؤالهم في إيما أكثر أجزاء الخردلة أو أجزاء الجبل أو أجزاء الخردلتين لأن الجبل إذا لم يجزأ والخردلة إذا لم تجزأ والخردلتان إذا لم تجزأ فلا أجزاء لها أصلا بعد بل الخردلة جزء واحد والجبل جزء واحد والخردلتان كل واحدة منهما جزء فإذا قسمت الخردلة على سبعة أجزاء وقسم الجبل جزأين وقسمت الخردلتان جزئين جزئين فالخردلة الواحدة بيقين أكثر من أجزاء من الجبل والخردلتين لأنها صارت سبعة أجزاء ولم يصر الجبل والخردلتان إلا ستة أجزاء فقط فلو قسمت الخردلة ستة أجزاء لكانت أجزاؤها وأجزاء الجبل والخردلتين سواه ولو قسمت الخردلة خمسة أجزاء وكانت أجزاء الجبل والخردلتين أكثر من أجزاء الخردلة وهكذا في كل شيء فصح أنه لا يقع التجزيء في شيء إلا إذا قسم لا قبل ذلك فإن كانوا يريدون في أيهما يمكننا التجزئة أكثر في الجبل والخردلتين أم في الخردلة الواحد فهذا ما لا شك فيه أن التجزيء أمكن لنا في الجبل وفي الخردلتين منه في الخردلة الواحدة لأن الخردلة الواحدة عن قريب تصغر أجزاؤها حتى لا نقدر نحن على قسمتها ويتمادى لنا الأمر في الجبل كثيرا حتى أنه يفنى عمر أحدنا قبل أن يبلغ تجزئته إلى أجزاء تدق عن قسمتنا وأما قدرة الله D على قسمة ما عجزنا نحن عن قسمته من ذلك فباقية غير متناهية وكل ذلك عليه هين سواء ليس بعضه أسهل عليه من بعض بل هو قادر قسمةالخردلة أبدا بلا نهاية وعلى قسمة الفلك كذلك ولا فرق وبالله تعالى التوفيق ونزيد بيانا فتقول أن الشيء قبل أن يجزأ فليس متجزئا فإذا جزء بنصفين آو جزئين فهو جزءآن فقط فإذا جزء على ثلاثة أجزاء فقط فهو ثلاثة أجزاء وهكذا أبدا وأما من قال أو ظن أن الشيء قبل أن ينقسم وقبل أن يتجزأ أنه منقسم بعد ومتجزهم بعد فوسواس وظن كاذب لكنه محتمل الانقسام والتجزيء وكل ما قسم وجزأ فكل جزء ظهر منه فهو معدود متناه وكذلك كل جسم فطوله وعرضه متناهيان بلا شك والله تعالى قادر على الزيادة فيهما أبدا بلا نهاية إلا أن كل ما زاده تعالى في ذلك وأخرجه إلى حد الفعل فهو متناه ومعدود ومحدود وهكذا أبدا وكذلك الزيادة في أشخاص العالم وفي العدد فان كل ما خرج إلى حد الفعل من الأشخاص ومن الأعداد فذو نهاية والله تعالى قادر على الزيادة في الأشخاص أبدا بلا نهاية والزيادة في العدد ممكنة أبدا بلا نهاية إلا أن كل ما خرج من الأشخاص والأعداد إلى الفعل صحبته النهاية ولا بد ثم نعكس هذا السؤال عليهم فنقول