والعدل والجور والعلم والجهل فظهر فساد قول مبطلي الأغراض بقينا والحمد لله رب العالمين فإذ قد صح كل ما ذكرنا فإنما الأسماء عبارات وتمييز للمسميات ليتوصل بها المخاطبون إلى تفاهم مراداتهم من الوقوف على المعاني وفصل بعضها من بعض ليس للأسماء فائدة غير هذه فوجب ضرورة أن يوقع على القائم بنفسه الشاغل لمكانه الحامل لغيره أسماء تكون عبارة عنه وأن يوقع أيضا على القائم بغيره لا بنفسه المحمول الذي لا يشغل مكانا اسما آخر يكون أيضا عبارة عنه لينفصل بهذين الاسمين كل واحد من ذينك المسميين عن الآخر وإن لم يكن هذا وقع التخليط وعدم البيان واصطلحنا على أن سمينا القائم بنفسه الشاغل للمكان جسما واتفقنا على أن سمينا القائم بغيره لا بنفسه عرضا لأنه عرض في الجسم وحدث فيه هذا هو الحق المشاهد لحس المعروف بالعقل وما عدا هذا فهذيان وتخليط لا يعقله قائلة فكيف غيره فصح بهذا كله وجود الإعراض وبطلان قول من أنكرها وصح أيضا بما ذكرنا أن حد اللون والحركة وكل ما لا يقوم بنفسه هو غير حد القائم بنفسه فإذ ذلك كذلك فلا جسم إلا القائم بنفسه وكل ما عداه فعرض فلاح بهذا صحة قول من قال بذلك وبطل قول هشام والنظام وبالله تعالى التوفيق .
وأما احتجاج هشام بوجود الطول والعرض والعمق الذي توهمها في اللون فإنما هو طول جسم الملون وعرضه وعمقه فقط وليس للون طول ولا عرض ولا عمق وكذلك الطعم والمجسة والرائحة وبرهان ذلك أنه لو كان للجسم طول وعرض عمق وكان للون طول غير طول الملون الحامل له وعرض آخر غير عرض الحامل له وعمق آخر غير عمق الملون الحامل له لاحتاج كل واحد منهما إلى مكان آخر غير مكان الآخر إذ من أعظم المحال الممتنع أن يكون شيئان طول كل واحد منهما ذراع وعرضه ذراع وعمقه ذراع ثم يسعان جميعا في واحد ليس هو إلا ذراع في ذراع فقط ويلزمه مثل هذا في الطعم والرائحة والمجسة لأن كل هذه الصفات توجد من كل جهة من جهات الجسم الذي هي فيه كما يوجد اللون ولا فرق وقد يذهب الطعم حتى يكون الشيء لا طعم له وتذهب الرائحة حتى يصير الشيء لا رائحة له ومساحته باقية بحسبها فصح يقينا أن المساحة للملون والذي له الرائحة والطعم والمجسة لا للون ولا للطعم مكان ولا للرائحة ولا للمجسة وقد نجد جسما طويلا عريضا عميقا لا لون له وهو الهواء أساكنة ومتحركة وبالضروري ندري أنه ولو كان له لون لم يزد ذلك في مساحته شيئا .
قال أبو محمد فإن بلغ الجهل بصاحبه إلى أن يقول ليس الهواء جسما سألناه عما في داخل الزق المنفوخ ما هو وعما يلقي الذي يجري فرسا جوادا بوجهه وجسمه فإنه لا شك في أنه جسم قوي متكثر محسوس وبرهان آخر وهو أن كل أحد يدري أن الطول والعرض والعمق لو كان لكل واحد منهما طول وعرض وعمق لاحتاج كل واحد منهما أيضا إلى طول آخر وعرض آخر وعمق آخر وهكذا مسلسلا إلى بها ما نهاية له وهذا باطل فبطل قول إبراهيم وهشام وبالله تعالى التوفيق وأما قول ضرار أن الأجسام مركبة من الأعراض فقول فاسد جدا لأن الأعراض قد صح كما ذكرنا أنها لا طول لها ولا عرض ولا عمق ولا تقوم بنفسها وصح أن الأجسام ذات أطوال وعروض وأعماق وقائمة بأنفسها ومن المحال أن يجتمع مالا طول له ولا عرض ولا عمق مع مثله فيتقوم منها ماله طول وعرض وعمق وإنما غلط فيها من توهم ان الأجسام مركبة من السطوح وأن السطوح مركبة من الخطوط والخطوط مركبة من النقط .
قال أبو محمد وهذا خطأ على كل حال لأن السطوح المطلقة فإنما هي تناهي الجسم وانقطاعه في تماديه من أوسع جهاته وعدم امتداده فقط وأما الخطوط المطلقة فإنما هي تناهي جهة السطح وانقطاع تماديها وأما النقط فهي تناهي