خلق الأرض خلق جرما عظيما يمسكها لئلا تتحدر سفلا فحين خلق ذلك الجرم أعدمه وخلق آخر وهكذا أبدا بلا نهاية لأنه زعم لو بقاه وقتين لا احتاج إلى مسك وهكذا أبدا إلى ما لا نهاية له كان هذا الأنوك لم يسمع قول الله تعالى أن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا أن أمسكهما من أحد من بعده فصح أن الله تعالى يمسك الكل كما هو دون عمد لا زيادة ولا جرم آخر ولو أن هؤلاء المخاذيل إذ عدموا العلم تمسكوا باتباع القرآن والسكوت عن الزيادة والخبر عن الله بما لا علم لهم به لكان أسلم لهم في الدين والدنيا ولكن من يضلل الله فلا هادي له ونعوذ بالله من الضلال أما من قال أن الحركات أجسام فخطأ لأن الجسم في اللغة موضوع للطويل العريض العميق ذي المساحة وليست الحركة كذلك فليست جسما ولا يجوز أن يوقع عليها اسم جسم إذ لم يأت ذلك في اللغة ولا في الشريعة ولا أوجبه دليل وأوضح أنها ليست جسما فهي بلا شك عرض وأما من قال أن الحركة ترى فقول فاسد لأنه قد صح أن البصر لا يقع في هذا العالم إلا على لون في ملون فقط وبيقين ندري أن الحركة لا لون لها فإذ لا لون لها فلا سبيل إلى أن ترى وإنما علمنا كون الحركة لأننا رأينا لون المتحرك في مكان ما ثم رأيناه في مكان آخر فعلمنا أن ذلك الملون قد انتقل عن مكان إلى مكان بلا شك وهذا المعنى هو الحركة أو بأن يحس الجسم قد انتقل من مكان إلى مكان فيدري حينئذ من لامسه وإن كان أعمى أو مطبق العينين أنه تتحرك وبرهان ما قلنا أن الهواء لما لم يكن له لون لم يره أحد وإنما يعلم تموجه وتحركه بملاقات فإنه منتقل وهو هبوب الرياح وكذلك أيضا علمنا حركة الصوت بإحساسنا الصوت يأتي من مكان ما إلى مكان ما وكذلك القول في الحركة في المشموم من الطيب والنتن وحركة المذوق فبطل قولا من قالا أن الحركات ترى وصح أن الحركة ليست لونا ولا ولها لون ولو كان هذا الامكن لآخر أن يدعى أن الحركة أنه يسمع الحركة وهذا خطأ لأنه لا يسمع إلا الصوت ولا مكن لآخر أن يدعى أن الحركة تلمس وهذا خطأ وإنما يلمس المجسة من الخشونة والأملاس أو غير ذلك من المجسات والحق من هذا إنما هو أن الحركة تعرف وتوجد بتوسط كل ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد والحركات النقلية المكانية تنقسم قسمين لا ثالث لهما إما حركة ضرورية أو اختيارية فالاختيارية هي فعل النفوس الحية من الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوان كله وهي التي تكون إلى جهات شتى على غير رتبة معلومة الأوقات وكذلك السكون الاختياري والحركة الضرورية تنقسم قسمين لا ثالث لهما أما طبيعية وأما قسرية والاضطرارية هي الحركة الكائنة ممن ظهرت منه عن غير قصد منه إليها وأما الطبيعية فهي حركة كل شيء غير حي مما بناء الله عليه كحركة الماء إلى وسط المركز وحركة الأرض كذلك وحركة الهواء والنار إلى مواضعها وحركة الأفلاك والكواكب دورا وحركة عروق الجسد النوابض والسكون الطبيعي هو سكون كل ما ذكرنا في عصره وأما القسرية فهي حركة كل شيء دخل عليه ما يحيل حركته عن طبيعته أو عن اختياره إلى غيرها كتحريك المرء قهرا أو تحريكك الماء علوا والحجر كذلك وكتحريكك النار سفلا والهواء كذلك وكتصعيد الهواء كعكس الشمس لحر النار والسكون القسري هو توقيف الشيء في غير عنصره أو توقيف المختار كرها وبالله تعالى التوفيق الكلام في التولد .
قال أبو محمد تنازع المتكلمون في معنى عبروا عنه بالتواد وهو أنهم اختلفوا فيمن رمى سهما فجرح به إنسانا أو غيره وفي حرق النار وتبريد والثلج وسائر الأثار الظاهرة من الجمادات فقالت طائفة ما تولد من ذلك عن فعل إنسان أو حي فهو فعل الإنسان والحي واختلفوا فيما تولد من غير حي فقالت طائفة هو فعل الله وقالت طائفة ما تولد من غير حي فهو فعل الطبيعة وقال آخرون كل ذلك فعل الله D .
قال أبو محمد فهؤلاء مبطلون للحقائق غائبون عن موجبات العقول