قال أبو محمد وهذا تخبيط لا يعقل ولا يتوهم ولا يقوم عليه دليلا أصلا وما كان هكذا فهو باطل والحقيقة في ذلك ظاهرة وهي أن البقاء هو وجود الشيء وكونه ثابتا قائما مدة زمان ما فإذ هو قائما كذلك فهو صفة موجودة في الباقي محمولة فيه قائمة موجودة بوجوده فانية بفنائه وأما الفناء فهو عدم الشيء وبطلانه جملة وليس هو شيئا أصلا والفناء المذكور ليس موجودا البتة في شيء من الجواهر وإنما هو عدم العرض فقط كحمرة الخجل إذا ذهبت عبر عن المعنى المراد بالأخبار عن ذهابها بلفظة الفناء كالغضب يفنى ويعقبه رضا وما أشبه ذلك ولو شاء الله D أن يعدم الجواهر لقدر على ذلك ولكنه لم يوجد ذلك إلى الآن ولا جاء به نص فيقف عنده فالفناء عدم كما قلنا الكلام في المعدوم أهو شيء أم لا .
قال أبو محمد وقد اختلف الناس في المعدوم أهو شيء أم لإقفال أهل السنة وطوائف من المرجئة كالأشعرية وغيرهم ليس شيئا وبه يقول هشام بن عمرو الغوطي أحد شيوخ المعتزلة وقال سائر المعتزلة المعدوم شيء وقال عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط أحد شيوخ المعتزلة أن المعدم جسم في حال عدمه إلا أنه ليس متحركا ولا ساكنا ولا مخلوقا ولا محدثا في حال عدمه .
قال أبو محمد واحتج من قال بأن المعدوم شيء بان قالوا قال D أن زلزلة الساعة شيء عظيم فقالوا فقد أخبر D بأنها شيء وهي معدومة ومن الدليل على أن المعدوم شيء أنه يخبر عنه ويوصف ويتمنى ومن المحال أن يكون ما هذه صفته ليس شيئا .
قال أبو محمد أما قول الله D أن زلزلة الساعة شيء عظيم فإن هذه القصة موصولة بقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى فإنما تم الكلام عند قوله يوم ترونها فصح أن زلزلة الساعة يوم ترونها شيء عظيم وهذا هو قولنا ولم يقل تعالى قط أنها الآن شيء عظيم ثم أخبر تعالى بما يكون يومئذ من هول المرضعات ووضع الأحمال وكون الناس سكارى من غير خمر فبطل تعلقهم بالآية وما نعلم أنهم شغبوا بشيء غيرها وأما قولهم أن المعدوم يخبر عنه ويوصف ويتمنى ويسمى فجهل شديد وظن فاسد وذلك أن قولنا في شيء يذكر أنه معدوم ويخبر عنه أنه معدوم ويتمنى به إنما هو أن يذكر اسم ما فذلك الاسم موجود بلا شك يعرف ذلك بالحس كقولنا العنقاء وابن آوى وحبين وعرس ونبوة مسيلمة وما أشبه ذلك ثم كل اسم ينطق به ويوجد ملفوظا أو مكتوبا فإنه ضرورة لا بد له من أحد وجهين إما أن يكون له مسمى وإما أن يكون ليس له مسمى فإن كان له مسمى فهو موجود وهو شيء حينئذ وإن كان ليس له مسمى فإخبارنا بالعدم وتمنينا للمريض الصحة إنما هو إخبار عن ذلك الاسم الموجود أنه ليس له مسمى ولا تحته شيء وتمن منا لأن يكون تحته مسمى فهكذا هو الأمر لا كما ظنه أهل الجهل فصح أن المعدوم لا يخبر عنه ولا يتمنى ونسألهم عمن قال ليت لي ثوبا أحمر وغلاما أسود أخبرونا هل الثوب المتمنى به عندكم أحمر أم لا فإن أثبتوا معنى وهو الثوب أثبتوا عرضا محمولا فيه وهو الحمرة فوجب أن المعدوم يحمل الأعراض وإن قالوا لم يتمن شيئا أصلا صدقوا وصح أن المعدوم لا يتمنى لأنه ليس شيئا ولا فرق بين قول القائل تمنيت لا شيء وبين قوله لم أتمن شيئا بل هما متلائمان بمعنى واحد وهذا أيضا يخرج على وجه آخر وهو أنه لا يتمنى الأشياء موجود في العالم كثوب موجود أو غلام موجود وأما من أخرج لفظة التمني لما ليس في العالم فلم يتمن شيئا وأما قولهم بوصف فطريق عجب جدا لأن معنى قول القائل يوصف أخبار بأن له صفة محمولة فيه موجودة به فليت شعري كيف يحمل المعدوم من الصفات من الحمرة والخضرة والقوة والطول والعرض أن هذا لعجيب جدا فظهر فساد ما موهوا به والحمد لله رب العالمين