قال الشاعر ... تقول وقد درأت لها وضيني ... أهدأ دينه أبدا وديني ... .
وقال آخر ومن عاداته الخلق الكريم .
وقال آخر ... قد عود الطير عادات وثقن بها ... فهن يصحبنه في كل مرتحل ... .
وقال آخر ... عودت كندة عادات فصير لها ... .
وقال آخر ... وشديد عادة منتزعة ... .
فذكر أن انتزاع العادة يشتد إلا أنه ممكن غير ممتنع بخلاف إزالة الطبيعة التي لا سبيل إليها وربما وضعت العرب لفظة العادة مكان لفظة الطبيعة كما قال حميد بن ثور الهلالي ... سلي الربع أن يمت يا أم سالم ... وهل عادة الربع أن يتكلما ... .
قال أبو محمد وكل هذه الطبائع والعادات مخلوقة خلقها الله D فرتب الطبيعة على أنها لا تستحيل أبدا ولا يمكن تبدلها عند كل ذي عقل كطبيعة الإنسان بأن يكون ممكنا له التصرف في العلوم والصناعات إن لم يعترضه آفة وطبيعة الحمير والبغال بأنه غير ممكن منها ذلك وكطبيعة البر أن لا ينبت شعيرا ولا جوزا وهكذا كل ما في العالم والقوم مقرون بالصفات وهي الطبيعة نفسها لأن من الصفات المحمولة في الموصوف ما هو ذاتي به لا يتوهم زواله إلا بفساد حامله وسقوط الاسم عنه كصفات الخمر التي إن زالت عنها صارت خلا وبطل اسم الخمر عنها وكصفات الخبز واللحم التي إذا زالت عنها صارت زبلا وسقط اسم الخبز واللحم عنهما وهكذا كل شيء له صفة ذاتية فهذه هي الطبيعة ومن الصفات المحمولة في الموصوف ما لو توهم زواله عنه لم يبطل حامله ولا فارقه اسمه وهذا القسم ينقسم أقساما ثلاثة فأحدها ممتنع الزوال كالفطس والقصر والزرق وسواد الزنجي ونحو ذلك إلا أنه لو توهم زائلا لبقي الإنسان إنسانا بحالة وثانيها بطيء الزوال كالمردوة وسواد الشعر وما أشبه ذلك وثالثها سريع الزوال كحمرة الخجل وصفرة الوجل وكمدة الهم ونحو ذلك فهذه هي حقيقة الكلام في الصفات وما عدا ذلك فطريق السوفسطائية الذين لا يحققون حقيقة ونعوذ بالله من الخذلان .
نبوة النساء .
قال أبو محمد هذا فصل لا نعلمه حدث التنازع العظيم فيه إلا عندنا بقرطبة وفي زماننا فإن طائفة ذهبت إلى إبطال كون النبوة في النساء جملة وبدعت من قال ذلك وذهب طائفة إلى القول بأنه قد كانت في النساء نبوة وذهبت طائفة إلى التوقف في ذلك .
قال أبو محمد ما نعلم للمانعين من ذلك حجة أصلا إلا أن بعضهم نازع في ذلك بقول الله تعالى وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم .
قال أبو محمد وهذا أمر لا ينازعون فيه ولم يدع أحد أن الله تعالى أرسل امرأة وإنما الكلام في النبوة دون الرسالة فوجب طلب الحق في ذلك بأن ينظر في معنى لفظة النبوة في اللغة التي خاطبنا الله بها D فوجدنا هذه اللفظة مأخوذة من الأنبياء وهو الإعلام فمن أعلمه الله D بما يكون قبل أن يكون أو أوحى إليه منبئا له بأمر ما فهو نبي بلا شك وليس هذا من باب الإلهام الذي هو طبيعة كقول الله تعالى وأوحى ربك إلى النحل ولا من باب الظن والتوهم الذي لا يقطع بحقيقته إلا مجنون ولا من باب الكهانة التي هي من