اقتضاه له اسم الجسمية في ذلك استواء لا تفاضل فيه ولم يدخل ما لم يشارك شيئا مما ذكرنا في الصفة التي انفرد بها عنه هذا كله يعلمه ضرورة من وقف عليه ممن له حس سليم فلما كان النطق الذي هو التصرف في العلوم والصناعات قد خصنا دون سائر الحيوان وجب ضرورة أن لا يشاركنا شيء من الحيوان في شيء منه إذ لو كان فيه شيء منه لما كنا أحق بكله من سائر الحيوان كما أنا لسنا بالحياة أحق منها ولا بالنمو ولا بالحركة ولا بالجسمية فصبح بهذا أنه لا نطق لها أصلا فإن قال قائل لعل نطقها بخلاف نطقنا قيل له وبالله التوفيق لا يتشكل في العقول البتة حياة على غير صفة الحياة عندنا ولا نماء على غير صفة النماء عندنا ولا حمرة على غير الحمرة عندنا ولا جسم على خلاف الأجسام عندنا وهكذا في كل شيء ولو كان شيء بخلاف ما عندنا لم يقع عليه ذلك الإسم أصلا وكان كمن سمى الماء نارا والعسل حجرا وهذا هو الحمق والتخليط فالبضرورة وجب أن كل صفة هي بخلاف نطقنا فليس نطقا والنطق عندنا هو التصرف في العلوم والصناعات ومعرفة الأشياء على ما هي عليه فلو كان ذلك النطق بخلاف هذا لكان ليس معرفة للأشياء على ما هي عليه ولا تصرفا في العلوم والصناعات فهو إذا ليس نطقا فبطل هذا الشغب السخيف والحمد لله رب العالمين .
فإن اعترض معترض بفعل النحل ونسج العنكبوت قيل له وبالله التوفيق إن هذه طبيعة ضرورية لأن العنكبوت لا يتصرف في غير تلك الصفة من النسج ولا توجد أبدا إلا لذلك وأما الإنسان فإنه يتصرف في عمل الديباج والوشي والقباطي وأنواع الأصباغ والدباغ والخرط والنقش وسائر الصناعات من الحرث والحصاد والطحن والطبخ والبناء والتجارات وفي أنواع العلوم من النجوم ومن الأغاني والطب والقبل والجبر والعبارة والعبادة وغير ذلك ولا سبيل لشيء من الحيوان إلى التصرف في غير الشيء الذي اقتضاه له طبعه ولا إلى مفارقة تلك الكيفية فإن اعترض معترض بقول الله تعالى علمنا منطق الطير وبما ذكر الله تعالى من قول النملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم الآية وقصد الهدهد قيل له وبالله تعالى التوفيق لم ندفع ان يكون للحيوان أصوات عند معاناة ما تقتضيه له الحياة من طلب الغذاء وعند الألم وعند المضاربة وطلب الفساد ودعاء أولادها وما أشبه ذلك فهذا هو الذي علمه الله تعالى سليمان رسوله عليه السلام وهذا الذي يوجد في أكثر الحيوان وليس هذا من تمييز دقائق العلوم والكلام ولا من عمل وجوه الصناعات كلها في شيء وإنما عنى الله تعالى بمنطق الطير أصواتها التي ذكرنا لا تمييز العلوم والتصرف في الصناعات الذي من ادعاء لها أكذبه العيان والله تعالى لا يقول إلا الحق وأما قصة النملة والهدهد فهما