كل ما تعتقدون من الدين تشبيه عليكم وهذا كله لا مخلص لهم منه وقد عاب الله D من ذهب إلى هذا فقال ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون فلو جاز أن يكون للسحر حقيقة ويشبه ما يأتي به الأنبياء عليهم السلام وأمكن أن يشبه على البصر ما ذمهم الله D بأن قالوا شيئا يمكن كونه لكنهم لما قالوا ما لا يمكن البتة وتعلقوا بذلك في دفع الحقائق عابهم الله تعالى بذلك وأنكره عليهم .
قال أبو محمد وليس غلط الحواس في بعض الأوقات من باب التشبيه عليها في شيء لأن أحدنا قد يرى شخصا على بعد لا يشك فيه إلا أن سارع فقطع أنه إنسان أو انه فلان فقطع بظنه ولو أنه لم يعمل ظنه ولا قطع به لكان باقيا على ما أدرك من الحقيقة وهكذا في كل ما حكم فيه المرء بظنه وأما ذو الآفة كمن فيه ابتداء نزول الماء فيرى خيالات لا حقيقة لها فهو أيضا كما ذكرنا وإنما الماء المطل على حدقته يوهمه أنه رأى شيئا وقطع بذلك فإذا تثبت في كل ذلك لاح له الحق من الظن وكذلك من فسد مكان التخيل من دماغه فإن نفسه تظن ما توهمه به ولو قوي تميزها لفرقت بين الحق والباطل وهكذا القول في إدراك السمع والذوق وهذا كله يجري على رتب مختلفة بمن أعمل ظنه وعلى رتب غير مختلفة في جمل هذه الأوقات بل هي ثابتة عند أهل التحقيق والمعرفة معروفة العلاج حتى يعود منها إلى صلاحه ما لم يستحكم فساده ولا يظن ظان أنه ممكن أن تكون في مثل حال هؤلاء إذ لو كان هذا لم نعرف شيئا من العلوم على رتبه وأحكامه الجارية على سنن واحد وبالله تعالى التوفيق ثم نسألهم بأي شيء يعرفون أنه لم يشبه على عيونكم فقد عرفناكم نحن بماذا نعرف أن حواسنا سليمة وإن عقولنا سليمة ما دامت سالمة وبماذا نعرف الحواس المدخولة والعقول المدخولة وغير المدخولة إجراء ما أدرك بالحواس السليمة والعقول السليمة على رتب محدودة معلومة لا تبدل عن حدودها أبدا وإجراء ما أدرك بالحواس الفاسدة والعقول المدخولة على غير رتب محدودة فإنهم لا يقدرون على فرق أصلا وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد وكذلك ما ذكرنا عمن ليس نبيا من قلب عين أو إحالة طبيعة فهو كذب إلا ما وجد من ذلك في عصر نبي فإنه آية كذلك لذلك الشيء وذلك الذي ظهرت عليه آية بمنزلة الجذع الذي ظهرت فيه الحنين والذراع الذي ظهر فيه النطق والعصا التي ظهرت فيها الحياة وسواء كان الذي ظهرت فيه الآية صالحا أو فاسقا وذلك كنحو النور الذي ظهر في سوط عمر بن حمحمة الدوسي وبرهان ذلك أنه لم يظهر فيه بعد موت النبي A .
قال أبو محمد فإن قيل إذا أجزتم أن تظهر المعجزة في غير نبي في عصر نبي لتكون آية لذلك النبي فهلا أجزتموه كذلك بعد موت النبي A لتكون آية له أيضا ولا فرق بين الأمرين قلنا إنما أجزنا ذلك الشيء في الجماد وسائر الحيوان وفيمن شاء الله تعالى إظهار ذلك فيه من الناس لا نخص بذلك فاضلا لفضله ولا نمنع فاسق لفسقه أو كافر وإنما ننكر على من خص بذلك الفاضل فجعلها كرامة له فلو جاز ذلك بعد موت النبي A لأشكل الأمر ولم تكن في أمن من دعوى من أدعى أنها أية لذلك الفاضل ولذلك الفاسق والإنسان من الناس يدعيها آية له ولو كان ذلك لكان إشكالا في الدين وتلبيسا من الله تعالى على جميع عباده أولهم عن آخرهم وهذا خلاف وعد الله تعالى لنا وإخباره بأنه قد بين علينا الرشد من الغي وليس كذلك ما كان في عصر النبي صلى الله عليه سلم لأنه لا يكون إلا من قبل النبي A وبإخباره وإنذاره فبدت بذلك أنها له لا للذي ظهرت منه وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين