لم خلق الإنسان ناطقا وحرم الحمار النطق وجعل الحجر جامدا لا حياة له ولا نطق وهذا أصل قد وافقنا البراهمة عليه وسائر من خالفنا من تفريع هذا المعنى ممن يقول بالتوحيد وهكذا إذا بعث تعالى الأنبياء ليس لأحد أن يقول لم بعثهم أو لم بعث هذا الرجل ولم يبعث هذا الآخر ولا لم بعثهم في هذا الزمان دون غيره في الأزمنة ولا لم بعثهم في هذا المكان دون غيره من الأمكنة كما لا يقال لم حباه بالسعد في الدنيا دون غيره وهكذا كل ما في العالم إذا نظر فيه تعالى الذي لا يسأل عما يفعل وهو يسألون .
قال أبو محمد Bه وإذ قد نقضنا شغبهم بحول الله تعالى وتأييده فلنقل الآن بعون الله تعالى وتأييده في إثبات النبوة إذا وجدت قولا بينا وبالله تعالى التوفيق قد قدمنا فيما خلا إثبات حدوث الأشياء وأن لها محدث لم يزل واحدا لا مبدأ له و لا كان معه غيره ولا مدبر سواه ولا خالق غيره فإذ قد ثبت هذا كله وصح أنه تعالى أخرج العالم كله إلى الوجود بعد أن لم يكن بلا كلفة ولا معاناة ولا طبيعة ولا إستعانة ولا مثال سلف ولا علة موجبة ولا حكم سابق قبل الخلق يكون ذلك الحكم لغيره تعالى فقد ثبت أنه لم يفعل إذ لم يشأ وفعل إذ شاء كما شاء فيزيد ما شاء وينقص ما شاء فكل منطوق به مما يتشكك في النفس أولا يتشكك فهو داخل له تعالى في باب الإمكان على ما بينا في غير هذا المكان إلا أننا نذكر ههنا طرفا إن شاء الله D فنقول وبالله تعالى نتأيد إن الممكن ليس واقعا في العالم وقوعا واحدا ألا ترى أن نبات اللحية للرجال ما بين الثمان عشرة إلى عشرين سنة ممكن وهو في حدود الإثني عشر سنة إلى العامين ممتنع وإن فك الإشكالات العويصة واستخراج المعاني الغامضة وقول الشعر البديع وصناعة البلاغة الرائقة ممكن لذي الذهن اللطيف والذكاء النافذ وغير ممكن من ذي البلادة والشديدة والغباوة المفرطة فعلى هذا ما كان ممتنعا بيننا إذ ليس في بنيتنا ولا في طبيعتنا ولا من عادتنا فهو غير ممتننع على الذي لا بنية له ولا طبيعة له ولا عادة عنده ولا رتبة لازمة لفعله فإذ قد صح هذا فقد صح أنه لا نهاية لما يقوى عليه تعالى فصح أن النبوة في الإمكان وهي بعثة قوم قد خصهم الله تعالى بالفضيلة لا لعلة إلا أنه شاء ذلك فعلمهم الله تعالى العلم بدون تعلم ولا تنقل في مراتبه ولا طلب له ومن هذا الباب ما يراه أحدنا في الرؤيا فيخرج صحيحا وما هو من باب تقدم المعرفة فإذ قد أثبتنا أن النبوة قبل مجيء الأنبياء عليهم السلام واقعة في حد الإمكان فلنقل الآن بحول الله تعالى وقوته على وجوبها إذا وقعت ولا بد فنقول إذ قد صح أن الله تعالى ابتدأ العالم ولم يكن موجودا حتى خلقه الله تعالى فبيقين ندري أن العلوم والصناعات لا يمكن البتة أن يهتدي أحد إليها بطبعه فيما بيننا دون تعليم كالطب ومعرفة الطبائع والأمراض وسببها على كثرة اختلافها ووجود العلاج لها بالعقاقير التي لا سبيل إلى تجريبها كلها أبدا وكيف يجرب كل عقار في كل علة ومتى يتهيأ هذا ولا سبيل له إلا في عشرة آلاف من السنين ومشاهدة كل مريض في العالم وهذا يقطع دونه قواطع الموت والشغل بما لا بد منه من أمر المعاش وذهاب الدول وسائر العوائق وكعلم النجوم ومعرفة دورانها وقطعها وعودها إلى أفلاكها مما لا يتم إلا في عشرة آلاف من السنين ولا بد من أن يقطع دون ضبط ذلك العوائق التي قلنا وكاللغة التي يصح تربية ولا عيش ولا تصرف إلا بها