بينه وبينه إلا عشر ليال وبإدخاله صواع الملك في وعاء أخيه ولم يعلم بذلك سائراخوته ثم أمر من هتف أيتها العير إنكم لسارقون وهم لم يسرقوا شيئا وبقول الله تعالى ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه وبخدمته لفرعون وبقوله للذي كان معه في السجن أذكرني عند ربك .
قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه ونحن نبين ذلك بحول الله تعالى وقوته فنقول وبالله تعالى نتأيد إما أخذه أخاه وايحاشه أباه منه فلا شك في أن ذلك ليرفق بأخيه وليعود اخوته إليه ولعلهم لو مضوا بأخيه لم يعودوا إليه وهم في مملكة أخرى وحيث لا طاعة ليوسف عليه السلام ولا لملك مصر هنالك وليكون ذلك سببا لإجتماعه وجمع شمل جميعهم ولا سبيل إلى أن يظن برسول الله A الذي أوتي العلم والمعرفة بالتأويل إلا أحسن الوجوه وليس مع من خالفنا نص بخلاف ما ذكرنا ولا يحل أن يظن بمسلم فاضل عقوق أبيه فكيف برسول الله A وأما ظنهم أنه أقام مدة يقدر فيها علي ويتعف أبيه خبره ولم يفعل فهذا جهل شديد ممن ظن هذا لأن يعقوب في أرض كنعان من عمل فلسطين في قوم رحالين خصاصين في لسان آخر وطاعة أخرى ودين آخر وأمة أخرى كالذي بيننا اليوم وبين من يضافينا من بلاد النصارى كفاليش وغيرها أو كصحراء البربر فلم يكن عند يوسف عليه السلام علم بعد فراقه أباه بما فعل ولا حي هو أو ميت أكثر من وعد الله تعالى بأن ينبئهم بفعلهم به ولا وجد أحدا يثق به فيرسل إليه للإختلاف الذي ذكرنا وإنما يستسهل هذا اليوم من يرى أرض الشام ومصر لأمير واحد وملة واحدة ولسانا واحدا وأمة واحدة والطريق سابل والتجار ذاهبون وراجعون والرفاق سائرة ومقبلة والبرد ناهضة وراجعة فظن كل بيضاء شحمة ولم يكن الأمر حينئذ كذلك ولكن كما قدمنا دليل ذلك أنه حين أمكنه لم يؤخره واستجلب أباه وأهله أجمعين عند ضرورة الناس إليه انقيادهم له للجوع الذي كان عم الأرض وامتيازهم من عنده فانتظر وعد ربه تعالى الذي وعده حين ألقوه في الجب فأتوه ضارعين راغبين كما وعده تعالى في رؤياه قبل آن يأتوه ورب رئيس جليل شاهدنا من أبناء البشاكس والافرنج لو قدر علي أن يستجلب أبويه لكان أشد الناس بدارا إلى ذلك ولكن الأمر تعذر عليهم تعذرا أخرجه عن الإمكان إلى الامتناع فهذا كان أمر يوسف عليه السلام وأما قول يوسف لإخوته أنكم لسارقون وهم لم يسرقوا الصواع بل هو الذي كان قد أدخله في وعاء أخيه دونهم فقد صدق عليه السلام لأنهم سرقوه من أبيه وباعوه ولم يقل عليه السلام أنكم سرقتم الصواع وإنما قال تفقد صواع الملك وهو في ذلك صادق لأنه كان غير واجد له فكان فاقد له بلا شك وأما خدمته عليه السلام لفرعون فإنما خدمة تقية وفي حق لاستنقاذ الله تعالى بحسن تدبيره ولعل الملك أو بعض خواصه قد آمن به إلا أن خدمته له على كل حال حسنة وفعل خير وتوصل إلى الاجتماع بأبيه وإلى العدل وإلى حياة النفوس إذ لم يقدر على المغالبة ولا أمكنة غير ذلك ولا مرية في أن ذلك كان مباحا في شريعة يوسف عليه السلام بخلاف شريعتنا قال الله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وأما سجود أبويه فلم يكن محظورا في شريعتهما بل كان فعلا حسنا وتحقيق رؤياه الصادق من الله تعالى ولعل ذلك السجود كان تحية كسجود الملائكة لآدم عليه السلام إلا أن الذي