وأمانات وطاعة ومراتب ونص تعالى على أنهم كلهم معصومون بقوله D عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وبقوله ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وبقوله فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون فنص تعالى على أنهم كلهم لا يسأمون من العبادة ولا يفترون من التسبيح والطاعة لا ساعة ولا وقتا ولا يستحسرون من ذلك وهذا خبر عن التأييد لا يستحيل أبدا ووجب أنهم متنعمون بذلك مكرمون به مفضلون بتلك الحال وبالتذاذهم بذلك ونص تعالى على أنهم كلهم معصومون قد حقت لهم ولاية ربهم D ابدا إلا بد بلا نهابة فقال تعالى من كان عدو الله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين فكفر تعالى من عادى أحدا منهم فإن قال قائل كيف لا يعصون والله تعالى يقول ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم قلنا نعم هم متوعدون على المعاصي لما توعد رسول الله A إذ يقول له ربه D لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين وقد علم D أنه عليه السلام لا يشرك أبدا وأن الملائكة لا يقول أحد منهم أبدا إني إله من دون الله وكذلك قوله تعالى يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وهو تعالى قد برأهن وعلم أنه لا يأتي أحد منهن بفاحشة أبدا بقوله تعالى والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لكن الله تعالى يقول ما شاء ويشرع ما شاء ويفعل ما يشاء ولا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فأخبر D بحكم هذه الأمور لو كانت وقد علم أنها لا تكون كما قال تعالى لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إنا كنا فاعلين وكما قال لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء وكما قال تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وكما قال تعالى قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا وكل هذا قد علم الله تعالى أنه لا يكون أبدا وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل أن الملائكة مأمورون لا منهيون قلنا هذا باطل لأن كل مأمور بشيء فهو منهي عن تركه وقوله تعالى يخافون ربهم من فوقهم يدل على أنهم منهيون عن أشياء يخافون من فعلها وقال D وما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذن منظرين .
قال أبو محمد وهذا مبطل ظن من ظن أن هاروت وماروت كانا ملكين فعصيا بشرب الخمر والزنا والقتل وقد أعاذ الله D الملائكة من مثل هذه الصفة بما ذكرنا آنفا أنهم لا يعصون الله ويفعلون ما يؤمرون وبإخباره تعالى أنهم لا يسأمون ولا يفترون ولا يستحسرون عن طاعته D فوجب يقينا أنه ليس في الملائكة البتة عاص لا بعمد ولا بخطأ ولا بنسيان وقال D جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع فكل الملائكة رسل الله D بنص القرآن والرسل معصومون فصح أن هاروت وماروت المذكورين في القرآن لا يخلو أمرهما من أحد وجهين لا ثالث لهما أما أن يكونا جنين من أحياء الجن كما روينا عن خالد بن أبي عمران وغيره وموضعهما حينئذ في الجو بدل من الشياطين كأنه قال ولكن الشياطين كفروا هاروت وماروت ويكون الوقوف على قوله ما أنزل على الملكين ببابل ويتم الكلام هنا وأما أن يكونا ملكين أنزل الله D عليهما شريعة حق ثم مسخها فصارت كفرا كما فعل بشريعة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام فتمادى الشياطين على تعليمهما