فمن خرج عن أحدهما دخل في الآخرة فنسألهم عن رجل من المسلمين فسق وجاهر بالكبائر وله أختان إحداهما نصرانية والثانية مسلمة فاضلة لأيتهما يكون هذا الفاسق وليا في النكاح ووارثا وعن امرأة سرقت وزنت ولها ابنا عم أحدهما يهودي والآخر مسلم فاضل أيهما يحل له نكاحها وهذا ما لا خلاف فيه ولا خفاء به فصح أن صاحب الكبائر مؤمن وقال الله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقال تعالى إنما يتقبل الله من المتقين فأخبرونا أتأمرون الزاني والسارق والقاذف والقاتل بالصلاة وتؤدبونه إن لم يصل أم لا فمن قولهم نعم ولو قالوا لخالفوا الإجماع المتيقن فنقول لهم أفتأمرونه بما هو عليه أم بما ليس عليه وبما يمكن أن يقبله الله تعالى أم بما يوقن أنه لا يقبله فإن قالوا نأمره ليس عليه بما ظهر تناقضهم إذ لا يجوز أن يلزم أحد ما لا يلزمه وإن قالوا بل بما عليه قطعوا بأنه مؤمن لأن الله تعالى أخبر أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وإن قالوا نأمره بما لا يمكن آن يقبل منه أحالوا إذ من المحال أن يؤمر أحد بعمل هو على يقين من أنه لا يقبل منه وإن قالوا بل نأمره بما نرجو أن يقبل منه قلنا صدقتم وقد صح بهذا أن الفاسق من المتقين فيما عمل من عمل صالح فقط ومن الفاسقين فيما عمل من المعاصي ونسألهم أيأمرون صاحب الكبيرة بتمتيع المطلقة أن طلقها أم لا فإن قالوا نأمره بذلك لزمهم أنه من المحسنين المتقين لأن الله تعالى يقول في المتعة حقا على المحسنين وحقا على المتقين فصح أن الفاسق محسن فيما عمل من صالح ومسيء فيما عمل من سيئ فإن قالوا أن الصلاة عليه كما هي عندكم على الكفار أجمعين قلنا لا سواء لأنها وإن كان الكافر وغير المتوضئ والجنب مأمورين بالصلاة معذبين على تركها فإنا لا نتركهم يقيمونها أصلا بل نمنعهم منها حتى يسلم الكافر ويتوضأ المحدث ويغتسل الجنب ويتوضأ أو يتيمم وليس كذلك الفاسق بل تجبره على إقامتها .
قال أبو محمد وهذا لا خلاف فيه من أحد إلا أن الجبائي المعتزلي ومحمد بن الطيب الباقلاني ذهبا من بين جميع الأمة إلى أن من كانت له ذنوب فإنه لا تقبل له توبة من شيء منها حتى يتوب من الجميع واتبعهما على ذلك قوم وقد ناظرنا بعضهم في ذلك ولزمناهم أن يوجبوا على كل من أذنب ذنبا واحدا أن يترك الصلاة الفرض والزكاة وصوم رمضان والجمعة والحج والجهاد لأن إقامة كل ذلك توبة إلى الله من تركها فإذا كانت توبته لا تقبل من شيء حتى يتوب من كل ذنب له فإنه لا يقبل له توبة من ترك صلاة ولا من ترك صوم ولا من ترك زكاة حتى يتوب من كل ذنب له وهذا خلاف لجميع الأمة إن قالوه آو تناقض إن لم يقولوه مع أنه قول لا دليل لهم على تصحيحه أصلا وما كان هذا فهو باطل قال الله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وقال تعالى واشهدوا ذوي عدل منكم وقال تعالى وصالح لمؤمنين فصح يقينا بهذا اللفظ أن فينا غير عدل وغير صالح وهما منا ونحن مؤمنون فهو مؤمن بلا شك وقال تعالى فإن تابوا يعني من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين وهذا نص جلي على أن من صلى من أهل شهادة الإسلام وزكى فهو أخونا في الدين ولم يقل تعالى ما لم يأت بكبيرة فصح أنه منا وإن أتى بالكبائر .
قال أبو محمد فإن ذكروا قول الله تعالى مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وقوله تعالى ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم وراموا بذلك إثبات أنه لا مؤمن ولا كافر فهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى إنما وصف بذلك المنافقين المبطنين للكفر المظهرين