بالله تعالى وبنبوة موسى عليه السلام وأن الله تعالى حرم على اليهود العمل في السبت والتحوم فمن الباطل أن يتواطؤا كلهم في شرق الأرض وغربها على إعلان ما يعتقدون خلافه بلا سبب داع إلى ذلك وبرهان آخر وهو أنا قد شاهدنا من النصارى واليهود طوائف لا يحصى عددهم أسلموا وحسن إسلامهم وكلهم أولهم عن آخرهم يخبر من استخبره متى بقوا أنهم في إسلامهم يعرفون أن الله تعالى حق وأن نبوة موسى وهارون حق كما كانوا يعرفون ذلك في أيام كفرهم ولا فرق ومن أنكر هذا فقد كابر عقله وحسه ولحق بمن لا يستحق أن يكلم وبرهان آخر وهو أنهم لا يختلفون في أن نقل التواتر يوجب العلم الضروري فوجب من هذين الحكمين أن اليهود والنصارى الذين نقل إليهم ما أتى به عليه السلام من المعجزات نقل التواتر قد وقع لهم به العلم الضروري بصحة نبوته من أجلها وهذا لا محيد لهم عنه وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم إن شئتم الله تعالى كفرا وكذلك شتم رسول الله A فهو دعوى لأن الله تعالى قال يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر وقال تعالى وإذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم فنص تعالى أن من الكلام في آيات الله تعالى ما هو كفر بعينه مسموع وقال تعالى قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم أن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة فنص تعالى على أن الإستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر فخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبكم كفرا بل جعلهم كفارا بنفس الإستهزاء ومن أدعى غير هذا فقد قول ا لله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى وقال D إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليوطؤا عدة ما حرم الله .
قال أبو محمد وبحكم اللغة التي بها نزل القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون البتة إلا منه لا من غيره فصح أن النسيء كفر وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى فمن أحل ما حرم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى حرمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه وكل من حرم ما أحل الله تعالى فقد أحل ما حرم الله D لأن الله تعالى حرم على الناس أن يحرموا ما أحل الله وأما خلاف الإجماع فإن جميع أهل الإسلام لا يختلفون فيمن أعلن جحد الله تعالى أو جحد رسوله A فإنه محكوم له بحكم الكفر قطعا أما القتل واما أخذ الجزية وسائر أحكام الكفر وما شك قط أحد في هل هم في باطن امرهم منؤمنين أم لا ولا فكروا في هذا ولا رسول الله A ولا أحد من أصحابه ولا أحد بعدهم وأما قولهم أن الكفار إذا كانوا مصدقين بالله تعالى ونبيه بقلوبهم والتصديق في اللغة التي بها نزل القرآن هو الأيمان ففيهم بلا شك أيمان فالواجب أن يكونوا بأيمانهم ذلك مؤمنين أو أن يكون فيهم إيمان ليسوا بكونه فيهم مؤمنين ولابد من أحد الأمرين قال أبو محمد وهذا تمويه فاسد لأن التسمية كما قد منا الله تعالى لا دونه وقد أوضحنا البراهين على أن الله تعالى نقل إسم الإيمان في الشريعة عن موضوعه في اللغة إلى معنى آخر وحرم في الديانة إيقاع إسم الإيمان على التصديق المطلق ولولا نقل الله تعالى للفظة الإيمان كما ذكرنا