ما كلفه إلا بذلك الدرهم فمنعه لكان بخيلا ظالما سفيها فهذا كل ما احتجوا به لا حجة لهم غير هذه البتة وذهب ضرار بن عمرو وحفص الفرد وبشر بن المعتمر ومن وافقهم وهم قليل منهم إلى أن عند الله D ألطافا كثيرة لا نهاية لها لو أعطاها الكفار لآمنوا إيمانا إختياريا يستحقون به الثواب بالجنة وقد أشار إلى نحو هذا ولم يحققه أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم وكان بشر بن المعتمر يكفر من قال بالأصلح والمعتزلة اليوم تدعي أن بشرا تاب عن القول باللطف ورجع إلى القول بالأصلح .
قال أبو محمد وحجة هؤلاء أنه تعالى قد فعل بهم ما يؤمنون عنده ولو شاؤا فليس لهم عليه غير ذلك ولا يلزمه أكثر من ذلك فعارضهم أصحاب الأصلح بأن قالوا أن الإختيار هو ما يمكن فعله ويمكن تركه فلو كان الكفار عند إتيان الله تعالى بتلك الألطاف يختارون الإيمان لأمكن أن يفعلوه وأن لا يفعلوه أيضا فعادت الحال إلى ما هي عليه إلا أن يقولوا أنهم كانوا يؤمنون ولا بد فهذا إ ضطرار من الله تعالى لهم إلى الإيمان لا إختيار قالوا ونحن لا ننكر هذا بل الله تعالى قادر على أن يضطرهم إلى الإيمان كما قال تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قالوا فالذي فعل تعالى بهم أفضل وأصلح .
قال أبو محمد هذا لازم لمن لم يقل أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لزوما لا ينفكون عنه وأما نحن فلا يلزمنا وإنما سألناهم هل الله تعالى قادر على أن يأتي الكفار بألطاف يكون منهم الإيمان عندها بإختيار ولا بد ويثيبهم على ذلك أتم ثواب يثيبه عبدا من عباده أم لا فقالوا لا .
قال أبو محمد كأن أصحاب الأصلح غيب عن العالم أو كأنهم إذا حضروا فيه سلبت عقولهم وطمست حواسهم وصدق الله فقد نبه على مثل هذا إذ يقول تعالى لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أترى هؤلاء القوم ما شاهدوا أن الله D منع الأموال قوما وأعطاها آخرين ونبأ قوما وأرسلهم إلى عباده وخلق قوما آخرين في أقاصي أرض الزنج يعبدون الأوثان وأمات قوما من أوليائه ومن أعدائه عطشا وعنده مجادح السموات وسقى آخرين الماء العذب أما هذه محاباة ظاهرة فإن قالوا أن كل ما فعل من ذلك فهو أصلح بمن فعله به سألناهم عن إماتته تعالى الكفار وهم يصيرون إلى النار وأعطائه تعالى قوما مالا ورياسة فبطروا وأهلكوا وكانوا مع القلة والخمول صالحين وأفقر أقواما فسرقوا وقتلوا كانوا في حال الغنى صالحين وأصح أقواما وجمل صورهم فكان ذلك سببا لكون المعاصي منهم وتركوها إذ أسنوا وأمرض أقواما فتركوا الصلاة عمدا وضجروا وثربوا وتكلموا بما هو الكفر أو قريب منه وكانوا في صحتهم شاكرين لله يصلون ويصومون أهذا الذي فعل الله بهم كان أصلح لهم فإن قالوا نعم كابروا المحسوس وإن قالوا لو عاشوا لزادوا قلنا لهم فإنما كان أصلح لهم أن يخترمنهم الله D قبل البلوغ أو أن يطيل أعمارهم في الكفر ويملكهم الجيوش فيهلكوا بها أرض الإسلام ويقوي أجسادهم وأذهانهم فيضل بهم جماعة كما فعل لسعيد الفيومي اليهودي وأباريطا اليعقوبي النصراني والمحققين بالكلام من اليهود والنصارى والمجوس والمنانية والدهرية أما كان أصلح لهم ولمن ضل منهم أن يميتهم صغارا .
قال أبو محمد فانقطعوا فلجأ بعضهم إلى أن قال لعله قد سبق في علم الله تعالى أنه لو أماتهم صغارا لكفر خلق من المؤمنين