ما هذا القبيح في العقل أعلى الاطلاق فقال قائلون من زعمائهم منهم الحارث بن علي الوراق البغدادي وعبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي وغيرهما أن كل شيء حسن بوجه ما قلت يمتنع وقوع مثله من الله تعالى لأنه حينئذ يكون حسنا إذ ليس قبيحا البتة على كل حال وأما ما كان قبيحا على كل حال فلا يحسن البتة فهذا منفي عن الله D أبدا قالوا ومن القبيح على كل حال أن تفعل بغيرك ما لا تريد أن يفعل بك وتكليف ما لا يطاق ثم التعذيب عليه .
قال أبو محمد وظن هؤلاء المبطلون إذ أتوا بهذه الحماقة أنهم أغربوا وقرطسوا وهم بالحقيقة قد هذوا وهدروا وهذا عين الخطاء وإنما قبح بعض هذا النوع إذ قبحه الله D وحسن بعضه إذ حسنه الله D والعجب من مباهتتهم في دعواهم أن المحاباة فيما بيننا ظلم ولا ندري في أي شريعة أم في أي عقل وجدوا إن المحاباة ظلم وأن الله تعالى قد أباحها إلا حيث شاء وذلك أن للرجال أن ينكح امرأتين وثلاثا وأربعا من الزوجات وذلك له مباح حسن وأن يطأ من أمائه اي عدد أحب وذلك له مباح حسن ولا يحل للمرأة أن تنكح غير واحد ولا يكون عبدها وهذا منه حسن وبالضرورة ندري أن في قلوبهن من الغيرة كما في قلوبنا وهذا محظور في شريعة غيرنا والنفار منه موجود في بعض الحيوان بالطبع والحر المسلم ملكه أن يستعبد أخاه المسلم ولعله عند الله تعالى خير من سيده في دينه وفي أخلاقه وقنوته ويبيعه ويهبه ويستخدمه ولا يجوز أن يستعبده هوأحد لا عبده ذلك ولا غيره وهذا منه حسن وقد أحب رسول الله A لنفسه المقدسة ماأكرمه الله تعالى به من أن لاينكح أحد من بعده من نسائه أمهاتنا رضوان الله عليهن واحب هو عليه السلام نكاح من نكح من النساء بعد أزواجهن وكل ذلك حسن جميل صواب ولو أحب ذلك غيره كان مخطئ الإرادة قبيحا ظالما ومثل هذا أن تتبع كثير جدا إذ هو فاش في العالم وفي أكثر الشريعة فبطل هذا القول الفاسد منهم وقد نص الله تعالى على إباحة ما ليس عدلا عند المعتزلة بل على الإطلاق وعلى المحاباة حيث شاء وكل ذلك عدل منه قال D ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل وقال تعالى فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم فأباح تعالى لنا أن لا نعدل بين ما ملكت أيماننا وأباح لنا محاباة من شئنا منهن فصح أن لا عدل إلا ما سماه الله عدلا فقط وإن كل شيء فعله الله فهو العدل فقط لا عدل سوى ذلك وكذلك وجدنا الله تعالى قد أعطى الابن الذكر من الميراث حظين وإن كان غنيا مكتسبا وأعطى البنت حظا واحدا وإن كانت صغيرة فقيرة فبطل قول المعتزلة وصح أن الله تعالى يحابي من يشاء ويمنع من يشاء وأن هذا هو العدل لا ما تظنه المعتزلة عدلا بجهلها وضعف عقولها وأما تكليف ما لا يطاق والتعذيب عليه فإنما قبح ذلك فيما بيننا لأن الله تعالى حرم ذلك علينا فقط وقد علمت المعتزلة كثرة عدد من يخالفهم في أن هذا لا يقبح من الله تعالى الذي لا أمر فوقه ولا يلزمه حكم عقولنا وما دعواهم على مخالفيهم في هذه المسألة أنهم خالفوا قضية العقل ببديهته إلا كدعوى المجسم عليهم أنهم خالفوا قضية العقل ببديهته إذ أجازوا وجود الفعل مما ليس جسما وإذ أجاز واحيا بلا حياة وعالما لا بعلم .
قال أبو محمد وكلتا الدعويين على العقول كاذبة وقد بينا فيما سلف من كتابنا هذا غلط من ادعى في العقل ما ليس فيه وبينا أن العقل لا يحكم به على الله الذي خلق العقل ورتبه على ماهو