أحدهما وكلاهما إضلال وخطأ وإنما الحق هو أن كل ما فعله الله D أي شيء كان فهو منه D حق وعدل وحكمة وإن كان بعض ذلك منا جورا وسفها وكل ما لم يفعله الله D فهو الظلم والباطل والعبث والتفاوت وأما أجراؤهم الحكم على الباري تعالى بمثل ما يحكم به بعضنا على بعض فضلال بين وقول سبق له أصل عند الدهرية وعند المنانية وعند البراهمة وهو أن الدهرية قالت لما وجدنا الحليم فيما بيننا لا يفعل إلا لاجتلاب منفعة او لدفع مضرة ووجدنا من فعله ما لا فائدة فيه فهو عابث هذا الذي لا يعقل غيره قالوا ولما وجدنا في العالم ضرا وشرا وعبثا وأقذارا ودودا وذبابا ومفسدين انتفى بذلك أن يكون له فاعل حكيم وقالت طائفة منهم مثل هذا سواء بسواء إلا أنهم زادوا فقالوا علمنا بذلك أن للعالم فاعلا سفيها غير الباري تعالى وهو النفس وأن الباري الحكيم خلاها تفعل ذلك ليريها فساد ما تخيلته فإذا استبان ذلك لها أفسده الباري الحكيم تعالى حينئذ وأبطله ولم تعد النفس إلى فعل شيء بعدها .
قال أبو محمد وأبطال هذا القول يثبت بما يبطل به قول المعتزلة سواء بسواء ولا فرق وقالت المنانية بمثل ما قالت به الدهرية سواء بسواء إلا أنها قالت ومن خلق خلقا ثم خلق من يضل ذلك الخلق فهو ظالم عابث ومن خلق خلقا ثم سلط بعضهم على بعض واغرى بين طالع خلقه فهو ظالم عابث قالوا فعلمنا أن خالق الشر وفاعله هو غير خالق الخير .
قال أبو محمد وهذا نص قول المعتزلة ألا إنها زادت قبحا بأن قالت أن الله تعالى لم يخلق من أفعال العباد لا خيرا ولا شرا وأن خالق الأفعال الحسنة والقبيحة هو غير الله تعالى لكن كل واحد يخلق فعل نفسه ثم زادت تناقضا فقالت أن خالق عنصر الشر هو إبليس ومردة الشياطين وفعله كل شر وخالق طباعهم على تضادها هو الله تعالى وقالت البراهمة أن من العبث وخلاف الحكمة ومن الجور البين أن يعرض الله تعالى عباده لما يعلم أنهم يعطبون عنده ويستحقون العذاب أن وقعوا فيه يريدون بذلك إبطال الرسالة والنبوات كلها .
قال أبو محمد وبالضرورة نعلم أنه لا فرق بين خلق الشر وبين خلق القوة التي لا يكون الشر إلا بها ولا بين ذلك وبين خلق من علم الله D أنه لا يفعل إلا الشر وبين خلق إبليس وأنظاره إلى يوم القيامة وتسليطه على إغواء العباد وإضلالهم وتقويته على ذلك وتركه يضلهم إلا من عصم الله منهم فإن قالوا أن خلق الله تعالى إبليس وقوى الشر وفاعل الشر خير وعدل وحسن صدقوا وتركوا أصلهم الفاسد ولزمهم الرجوع إلى الحق في أن خلقه تعالى للشر والخير ولجميع أفعال عباده وتعذيبه من شاء منهم ممن لم يهده وإضلاله من أضل وهداه من هدى كل ذلك حق وعدل وحسن وأن أحكامنا غير جارية عليه لكن أحكامه جارية علينا وهذا هو الحق الذي لا يخفى إلا على من أضله الله تعالى نعوذ بالله من إضلاله لنا ولا فرق بين شيء مما ذكرناه في العقل البتة وبرهان ضروري .
قال أبو محمد يقال لمن قال لا يجوز أن يفعل الله تعالى إلا ما هو حسن في العقل منا ولا أن يخلق ويفعل ما هو قبيح في العقل فيما بينا منا يا هؤلاء إنكم أخذتم الامر من عند أنفسكم ثم عكستموه فعظم غلطكم وإنما الواجب أنتم مقرون بأن الله تعالى لم يزل واحدا وحده ليس معه خلق أصلا ولا شيء موجود لا جسم ولا عرض ولا جوهر ولا عقل ولا معقول ولا سفه ولا غير