ووسوستهم وفعل بعض الناس ذلك ببعض فصحيح كما جاء في القرآن دون تكلف وهذا كله القاء لما ذكرنا في قلوب الناس وهو من الله تعالى خلق لكل ذلك في القلوب وخالق لأفعال هؤلاء المضلين من الجن والإنس وكذلك قوله تعالى حسدا من عند أنفسهم لأنه فعل أضيف إلى النفس لظهوره منها وهو خلق الله تعالى فيها فإن ذكروا قول الله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون فهو كما قال الله D وهو حجة على المعتزلة لأن الله تعالى أخبر أنه لا يضل قوما حتى يبين لهم ما يتقون وما يلزمهم وصدق الله D لأن المرء قبل أن يأتيه خبر الرسول غير ضال بشيء مما يفعل أصلا فإنما سمى الله تعالى فعله في العبد إضلالا بعد بلوغ البيان إليه لا قبل ذلك وبالله التوفيق فصح بهذه الآية أنه تعالى يضلهم بعد أن يبين لهم وقد فسر بعضهم الإضلال بأنه منع اللطف الذي يقع به الإيمان فقط .
قال أبو محمد ونصوص القرآن تزيد على هذا المعنى زيادة لا شك فيها وتوجب أن الإضلال معنى زائد أعطاه الله للكفار والعصاة وهو ما ذكرنا من تضييق الصدور وتحريجها والختم على القلوب والطبع عليها وأكنانها عن أن يفقهوا الحق فإن قالوا إن هذا فعل النفوس كلها إن لم يمدها الله تعالى بتوفيق قلنا لهم من خلقها هذه الخلقة المفسدة فإن لم يؤيدها بالتوفيق فإن قالوا الله تعالى هو خلقها كذلك أقروا بأن الله تعالى أعطاها هذه البلية وركب فيها هذه الصفة المهلكة فإن فروا إلى قول معمر والجاحظ أن هذا كله فعل الطبيعة لم يتخلصوا من سؤالنا وقلنا لهم فمن خلق النفس وخلق فيها هذه الطبيعة الموجبة لهذه الأفاعيل فإن قالوا الله سبحانه وتعالى أقروا بأن الله أعطاها هذه الصفة المهلكة لها إن لم يمدها بلطف وتوفيق وكذلك إن قالوا أن النفس هي فعلت الطبيعة الموجبة لهذه المهالك كانوا مع خروجهم من الإسلام بهذا القول محيلين أيضا محالا ظاهرا لأن النفس لو فعلت هي طبيعتها لكانت إما مختارة لفعلها وإما مضطرة إلى فعلها على ما هي عليها فإن كانت مختارة فقد يجب أن تقع طبيعتها مرارا بخلاف ما لا توجد إلا عليه وإن كانت مضطرة فمن خلقها مضطرة إلى هذا الفعل فلا بد من أنه الله تعالى فرجعوا ضرورة إلى ان الله تعالى هو الذي أعطاها هذه الصفة المهلكة التي بها كانت المعصية مع أنه لم يقل أحد من المسلمين أن النفس أحدثت طبيعتها مع أنه أيضا قول يبطله الحس والمشاهدة وضرورة العقل .
قال أبو محمد وأما القائلو بالأصلح من المعتزلة فإنهم انقطعوا ها هنا وقالوا لا ندري ما معنى الإضلال ولا معنى الختم على قلوبهم ولا الطبع عليها وقال بعضهم معنى ذلك أن الله تعالى سماهم ضالين وحكم أنهم ضالون وقال بعضهم معنى أضلهم أتلفهم كما تقول ضللت بعيري وهذه كلها دعاوى بلا برهان .
قال أبو محمد لم نجد لهم تأويلا اصلا في قول الله D حكاية عن موسى عليه السلام أنه قال إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء .
قال أبو محمد وهذا هو الضلال حقا وهو أن يحملهم اللجاج والعمي في لزوم أصل قد ظهر فساده وتقليد من لا خير فيه من أسلافهم على أن يدعوا أنهم لا يعرفون ما معنى الإضلال والختم