فيكون فصح أن كل مكون فهو كائن أثر قول الله تعالى له كن بلا مهلة فلو كان الله تعالى لم يزل قائلا كن لكان كل مكون لم يزل وهذا قول من قال أن العالم لم يزل وله مدبر خالق لم يزل وهكذا كفر مجرد نعوذ بالله منه وقول الله تعالى هو غير تكليمه لأن تكليم الله تعالى من كلم فضيلة عظيمة .
قال أبو محمد قال الله تعالى منهم من كلم الله وأما قوله فقد يكون سخطا قال تعالى أنه قال لأهل النار اخسئوا فيها ولا تكلمون وقال لإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي قال اخرج منها ولا يجوز أن يقال إبليس كليم الله ولا أن أهل النار كلماء الله فقول الله D محدث بالنص وبرهان ذلك أيضا قول الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ثم قال تعالى أنه قال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون وقال تعالى أنهم قالوا ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون فنص تعالى على أنه لا يكلمهم وأنه يقول لهم فثبت يقينا أن قول الله تعالى هو غير كلامه وغير تكليمه لكن يقول كل كلام وتكليم فهما قول وليس كل قول منه تعالى كلاما ولا تكليما بنص القرآن ثم نقول وبالله تعالى التوفيق أن الله تعالى أخبرنا أنه كلم موسى وكلم الملائكة عليهم السلام وثبت يقينا أنه كلم محمد A ليلة الإسراء وقال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله فخص تعالى بتكليمه بعضهم دون بعض كما ترى وقال تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ففي هذه الآيات والحمد لله أكبر نص على تصحيح كل ما قلناه في هذه المسألة وما توفيقنا إلا بالله وأخبرنا تعالى في هذه الآية أنه لا يتكلم بشر إلا بأحد هذه الوجوه الثلاثة فقط فنظرنا فيها فوجدناه تعالى قد سمى ما تأتينا به الرسل عليهم السلام تكليما انتقل منه للبشر فصح بذلك أن الذي أتتنا به رسله عليهم السلام هو كلام الله وأنه تعالى قد كلمنا بوحيه الذي أتتنا به رسله عليهم السلام وأننا قد سمعنا كلام الله عز و جل الذي هو القرآن الموحى إلى النبي بلا شك والحمد لله رب العالمين ووجدناه تعالى قد سمى وحيه إلى أنبيائه عليهم السلام تكليما لهم ووجدناه عز و جل قد ذكر وجها ثالثا وهو التكليم الذي يكون من وراء حجاب وهو الذي فضل به بعض النبيين على بعض وهو الذي يطلق عليه تكليم الله D دون صلة كما كلم موسى عليه السلام من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة وأما القسمان الأولان فإنما يطلق عليهما تكليم الله D بصلة لا مجردا فنقول كلم الله جميع الأنبياء بالوحي إليهم ونقول في القسم الثاني كلمنا الله تعالى في القرآن على لسان نبيه عليه السلام بوحيه إليه ونقول قال لنا الله D أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ونقول أخبرنا الله تعالى عن موسى وعن الجنة والنار في القرآن وفيما أوحى الله إلى رسوله A ولو قال قائل حدثنا الله تعالى عن الأمم السالفة وعن الجنة والنار في القرآن على لسان رسوله A لكان قولا صحيحا لا مدفع له لأن الله تعالى يقول ومن أصدق من الله حديثا وكذلك