يكون الشئ شبها للشيئ الا إذا ناب منا به وسد مسده .
قال أبو محمد وهذا كلام في غاية السخافة لأنه دعوى بلا برهان لا من شريعة ولا من طبيعة وما اختلفت قط اللغات والطبائع والأمم في أن النسبة بين المشبهات إنما هو بصفاتها في الأجسام وبذوابها في الأعراض وقد قال الله تعالى وما من دابة في الأرض ولاطائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم فليت شعري هل قال ذو مسكة من عقل أن الحمير والكلاب والخنافس تنوب منابنا أو تسدنا وقال تعالى حاكيا عن الأنبياء عليهم السلام أنهم قالوا إن نحن إلا بشر مثلكم فهل قال قط مسلم أن الكفار ينوبنا عن الأنبياء ويسدون مسدهم وقال تعالى كأنهن الياقوت والمرجان فهل قال ذو مسكة من عقل أن الياقوت ينوب مناب الحور العين ويسد مسدهن ومثل هذا في القرآن كثير جدا وفي كلام كل أمة والعجب أنهم بعد أن أتوا بهذه العظيمة نسوا نفسهم فجعلوا التشابه في بعض الأحوال يوجب شرع الشرائع قياسا وهذا دين لم يأذن به الله تعالى فهم أبدا في الشيء وضده والبناء والهدم ونعوذ بالله من الخذلان .
قال أبو محمد وحقيقة التماثل والتشابه هو أن كل جسمين اشتبها فإنما يشتبهان بصفة محمولة فيهما وكل عرضين فإنما يشتبهان بوقوعهما تحت نوع واحد كالحمرة والحمرة أو الحمرة والخضرة وهذا أمر يدرك بالعيان وأول الحس والعقل وبالله التوفيق الكلام في الحياة .
قال أبو محمد وقالوا أن الدليل أوجب أن الباري تعالى حي لأن أفعال الحكمة لا تقع إلا من الحي وأيضا فإنه لا يعقل إلا حي أو ميت قلنا إمكان وقوع الفعل من الميت صح وقوعه من الحي ولا بد ثم انقسم هؤلاء قسمين فطائفة قالت هو تعالى حي لا بحياة وطائفة قالت بل هو تعالى حي بحياة واحتجت أنه لا يعقل أحد حيا إلا بحياة ولم يكن الحي حيا إلا لأن له حياة ولولا ذلك لم يكن حيا قالوا ولو جاز أن يكون حي لا بحياة لجاز أن يكون حياة لا بحي وقالت الطائفة الأولى لم يكن الحي حيا لأن له حياة لكن لأنه فاعل فقط عالم قادر ولا يكون العالم القادر الفاعل إلا حيا .
قال أبو محمد وكلا القولين في غاية الفساد لاتفاق الطائفتين على أن سموا ربهم تعالى حيا من طريق الاستدلال أما لنفي الموت والجمادية عنه وأما لأنه فاعل قادر عالم ولا يكون الفاعل القادر العالم إلا حيا يلزمهم أن يطردوا استدلالهم هذا وإلا فهم متناقضون وإذا طردوا استدلالهم هذا لزمهم ولا بد أن يقولوا أنه تعالى جسم لأنهم لم يعقلوا قط فاعلا ولا حكيما ولا عالما ولا قادرا إلا جسما فإذا لم يكن هذا دليلا على أنه جسم فليس دليلا على أنه حي وأيضا فإن اتفاقهم على ما ذكرنا موجب على الطائفة الأولى أن يطردوا أيضا استدلالهم وإلا فهو فاسد فنقول أنه لا يكون القادر العالم