أما مان وموهوا به من قولهم أنه لولا أنه له سمعا وبصرا لجاز أن يقال أنه تعالى يسمع الألوان ويرى الأصوات فهذا كلام لا يطلق في كل شيء على عمومه لأننا إنما خوطبنا بلغة العرب فلا يجوز أن نستعمل غيرها فيما خوطبنا به والذي ذكرتم من رواية الأصوات وسماع الألوان لا يطلق في اللغة التي خوطبنا فيما بيننا فليس لنا أن ندخل في اللغة ما ليس فيها إلا أن يأتي بذلك نص فنقلبه على اللغة ثم نقول أنه لو قال قائل أنه تعالى سميع للألوان بصير بالأصوات بمعنى عالم بها لكان ذلك جائزا ولما منع من ذلك برهان فنحن نقول سمعت الله D يقول كذا وكذا ورأينا الله تعالى يقول كذا وكذا ويأمر بكذا ويفعل كذا بمعنى علمنا فهذا لا ينكره أحد ولا فرق بين هذا وبين ما سألوا عنه وأيضا فإن الله D يقول أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكوهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير وهذا عموم لكل شيء كما قلنا فلا يجوز أن يخص به شيء دون شيء إلا بنص آخر أو إجماع أو ضرورة ولا سبيل إلى شيء من هذا فصح ما قلنا وبالله تعالى التوفيق وقال تعالى يعلم السر وأخفى فصح أني بصيرا وسميعا وعليما بمعنى واحد ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق أنه تعالى بإجماع منا ومنكم هو السميع البصير وهو أحد غير متكئن ولا نقول أنه السميع للألوان البصير بالأصوات إلا على الوجه الذي قلنا وليس ذلك يوجب أن السميع غير البصير فالذي أردتم إلزامه ساقطة وإنما اختلفت معلوماته وإنما هو تعالى واحد وعلمه بها كلها واحد يعلمها كلها بذاته لا يعلم هو غيره البتة وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل أتقولون أن الله D لم يزل سميعا بصيرا قلنا نعم لم يزل الله تعالى سميعا بصيرا عفوا غفورا عزيزا قديرا رحيما وهذا كله ما جاء في القرآن لكان الله كما جاء كان الله سميعا بصيرا ونحو ذلك لأن قوله كان إخبار عما لم يزل إذا أخبر بذلك عن نفسه لا عمن سواه فإن قالوا أتقولون لم يزل الله خالقا خلاقا رازقا قلنا لا نقول هذا لأن الله تعالى لم ينص على أنه كان خالقا خلاقا رازقا لكنا نقول لم يزل الخلاق الرزاق ولم يزل الله تعالى لا يخلق ولا يرزق ثم خلق ورزق من خلق وهذا يوجب ضرورة أنها أسماء أعلام لا مشتقة لأنه لو كان خالق ورازق مشتقين من خلق ورزق لكان لم يزل ذا خلق يخلقه ويرزقه فإن قيل فإن السميع والبصير والرحمن والرحيم والعفو والملك كل ذلك يقتضي مسموعا ومبصرا ومرحوما ومغفورا له وعفوا عنه عدو مملوكا قلنا المعنى في سميع وبصير عن الله تعالى هو المعنى في عليم ولا فرق وليس ما يظن أهل العلم من أن له تعالى