فإن معنى هاتين القضيتين واحد لايختلف وكلا العبارتين باطل مناقض لا يعقل نفي واثبات معا وهذا تخليط الممرورين نعوذ بالله من الخذلان والعجب من احتجاج بعضهم في هذا الباطل بأن قال أن الطول ليس هو الطويل ولا هو غيره .
قال أبو محمد وهذا من أطم ما يكون من الجهل والمكابرة إذ لا يدري هذا القائل أن الطويل جوهر جسم قائم بنفسه حامل لطوله ولسائر أعراضه وأن الطويل عرض من الأعراض محمول في الطويل غير قائم بنفسه فمن جهل أن المحمول غير الحامل وأن القائم بنفسه هو غير ما لا يقوم بنفسه فهو عديم حس وينبغي له أن يعلم قبل أن يهدر ونحن نريه الطين الطويل يدور فيذهب الطول والتربيع ويأتي التدوير والذي كان طويلا باق بحسه فهل يخفى على سالم التمييز أن الذاهب غير الآتي وأن الفاني غير الباقي فبالضرورة نعلم أن الطول غير الطويل ثم نقول لمن تعلق بهذه العبارة الفاسدة أخبرونا هل يخلو كل اسمين متغايرين من أحد وجهين ضرورة لا ثالث لها البتة أما أن يكون الاسمان واقعين معا على شيء واحد يعبر بذينك الاسمين على ذلك الشيء الذي علق عليه وأما أن يكون الاسمان واقعين معا على شيئين اثنين يعبر بكل اسم منهما على حدته عن الشيء الذي علق عليه ذلك الاسم هذان وجهان لا بد من أحدهما ضرورة لكل اسمين وأي هذين كان فهو مبطل لتخليط من قال لا هو هو ولا غيره وقد زاد بعضهم في الشعوذة والسفسطة و افساد الحقائق فأتى بدعوى فاسدة وذلك أن قال لا يكون الشيء غير الشيء إلا إذا أمكن أن ينفرد أحدهما عن الآخر .
قال أبو محمد وهذه دعوى مجردة بلا دليل فلو لم يكن إلا هذا لسقط هذا التمويه فكيف وهي قضية فاسدة لأنها توجب أن كلية الأعراض ليست غير كلية الجواهر لأنه لا سبيل إلى انفراد الجواهر عن الأعراض ولا انفراد الأعراض عن الجواهر فكفى فسادا بكل هذيان أدى إلى مثل هذا التخليط .
قال أبو محمد حد التغاير في الغيرين هو أن كل شيء أخبر عنه بخبر ما لا يكون ذلك الوقت خبرا عن الشيء الآخر فهو بالضرورة غير ما لا يشاركه في ذلك الخبر وليس في كل ما يعلم ويوجد شيئان يخلوان من هذا الوصف بوجه من الوجوه وهذا مقتضى لفظة الغير في اللغة وبالله تعالى التوفيق مع أن هذا أمر يعلم بضرورة الحس والعقل وحد الهوية هو أن كل ما لم يكن غير الشيء فهو هو بعينه إذ ليس بين الهوية والغيرية وسيطة يعقلها أحد البتة فما خرج عن أحدهما دخل في الآخر ولا بد وأيضا فكل اسمين مختلفين