- وهذه طريقة أنيقة غَلَبَ عليها المحدِّثون المتقدمين فأحسنوا وظَرُفوا ولَطُفوا وأرى أبا نواس السَّابق إليها في قوله : .
تَبْكي فَتُلْقي الدُّرَ مِنْ نَرْجِسٍ ... وتَلْطِمُ الوَردَ بِعُنَّابِ .
فشبه الدمع بالدُّر والعين بالنرجس والخدّ بالورد والأنامل بالعنَّاب من غير أن يذكر الدّمع والعين والخدّ والأنامل ومن غير أن استعان بأداة من أدوات التشبيه وهي : كأنّ وكاف التشبيه وحَسِبتُهُ كذا وفلان حسن ولا القمر وجوادٌ ولا المطر .
وقد زاد أبو الفرج الوَأوَاءُ على أبي نواس فخمَّس ما ربَّعَهُ بقوله : .
وأمطَرَتْ لُؤلُأً من نَرْجِسٍ وسَقَتْ ... وَرْداً وعَضَّتْ على العُنَّابِ بالبرَدِ .
والزِّيادة في تشبيه الثَّغر بالبرَد . ومن هذا الباب : قول أبي الطَّيب المتنبي : .
بدَت قَمراً ومالَتْ خُوطَ بان ... وفاحَتْ عَنْبَراً ورَنَتْ غَزالا .
وقول أبي القاسم الزّاهي : .
سَفَرْنَ بُدوراً وانْتَقَبْنَ أهِلَّةً ... ومِسْنَ غُصوناً والتَفَتْنَ جَآذِرا .
وقول أبي الحسن الجوهري الجُرجاني في الشَّراب : .
إذا فُضَّ عنه الخَتمُ فاحَ بَنَفْسَجاً ... وأشْرَقَ مِصباحاً ونَوَّرَ عُصْفُرا .
وقول مؤلف الكتاب : .
رَنا ظَبياً وغَنَّى عَنْدَليبا ... ولاحَ شَقائقاً ومَشى قَضيبا .
وقوله أيضاً : .
وفيك لنا فِتَنٌ أرْبَعٌ ... تَسُلُّ علينا سُيوفَ الخَوارِجِ .
لِحاظُ الظِّباءِ وطَوقُ الحَمام ... ومَشيُ القِباجِ وزَيُّ التَّدارِجِ .
ومن هذا الباب قول ابن سُكَّرَة : .
الخَدُّ ورْدٌ والصَّدغ عاليةٌ ... والرِّيقُ خَمْرٌ والثَّغْرُ من بَرَدِ .
وقول القاضي عبد العزيز في المدح : .
لِحاظُكِ أقْدارٌ وكَفُّكِ مُزْنَةٌ ... وعَزْمُكِ صَمْصامٌ ورَبعُكِ غيلُ