مقصده الحق في كل ما يتصرف فيه فخرج يؤم دار ابن بشير وقد أمر الحكم من يثق به من الفتيان الصقالبة أن يقفوا أثره ويعلموا ما يكون منه فلم يكن إلا ريثما بلغ ثم انصرف فحكى للحكم أنه لما خرج الآذن إلى موسى وعلم القاضي بمكانه عاد إليه فقال له إن كانت لك حاجة فاقصد فيها إذا جلس القاضي مجلس القضاء فتبسم الحكم وقال قد أعلمته أن ابن بشير صاحب حق لا هوادة فيه عنده لأحد .
وولي القضاء مرتين فلما عزل المرة الأولى انصرف إلى بلده وكان بعض إخوانه يعاتبه في صلابته ويقول له أخشى عليك العزل فيقول له ليته قدر إن الشقراء - يعني بغلته - تقطع الطريق بي جاثة نحو باجة .
فما مضى إلا يسير حتى عتب عليه الأمير في قصة اشتد فيها على بعض خاصته فكانت سببا لعزله وانصرف كما تمنى فلم يمكث إلا يسيرا حتى أتى فيه رقاص من قبل الأمير الحكم والرقاص عند المغاربة هو الساعي عند المشارقة فعاد إلى قرطبة وجبره على القعود للقضاء الأمير الحكم فلاذ منه باليمين بطلاق زوجته وبصدقة ما يملك في سبيل الله تعالى إن حكم بين اثنين فلم يعذره وأخرجه من ماله وعوضه من طيب ما عنده ووهب له جارية من جواريه فعاد إلى القضاء ثانية .
ومما يحكى عنه في العدل أن سعيد الخير ابن السلطان عبد الرحمن الداخل وكل عند ابن بشير وكيلا يخاصم عنه لشيء اضطر إليه وكانت بيده فيه وثيقة فيها شهادات شهود قد ماتوا ولم يكن فيها من الأحياء إلا الأمير الحكم وشاهد آخر مبرز فشهد لسعيد الخير ذلك الشاهد وضربت على وكيله الآجال في شاهد ثان وجد به الخصام فدخل سعيد الخير بالكتاب إلى الحكم وأراه شهادته في الوثيقة وقد كان كتبها قبل الخلافة في حياة أبيه وعرفه مكان